بداية أذكركم جميعا أيها القراء ،وأذكر أبناء شعبي فلسطين ،وكذلك إخواني سواء في مصر أو في كل بلاد العرب أوطاني لا تنسوا قول الله تعالى في كتابه العزيز : (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ..كم هي مؤلمة تلك السلاسل الجبلية الممتدة من الهواجس ،والوساوس الكثيرة كجبال الأورال أوطوروس ،والتي تشغل بالنا ،وتقض مضجعنا خاصة نحن الفلسطينيون هذي الأيام ،وذلك للعلاقة الحميمة ،من جوار وترابط وتاريخ مشترك يجمعنا بأرض الكنانة ،مصر الشقيقة ،والتي كم تعاني من ضنك ،وأوضاع غاية في الخطورة ، في ظل المتغيرات السياسية ،والاقتصادية ،والاجتماعية وفي جميع مناحي الحياة هناك بدءا من عدم الاستقرار ،وخلق حالة من الغليان ،والتوترات التي تجتاح حناياها بين الفينة والأخرى،الأمور حقيقة تنحو نحو دروب ظلامية ،موحشة في ظلال التهديدات والتنديدات والتحذيرات القادمة، بمزيد من براكين وزلازل الثورات سواء المناهضة للنظام ،أو المؤيده له ،على الصعيدين فالخاسر من دائرة الصراع لن يكون أبدا الرئيس مرسي بسقوطه أو خلعه من العرش، والخاسر ليس حركة الإخوان المسلمين ،أو القوى الوطنية المعارضة للنظام سواء أكانت أحزاب مدنية ليبرالية أوغيرها ،فحسب .. بل الخاسر الوحيد هو مصر ..نعم مصر التي تحاك دوما حولها المؤامرات منذ بداية فجر التاريخ ،نظرا لموقعها الاستراتيجي وحضارتها بداية من مصر القديمة في الشمال الشرقي لأفريقيا، وا لمرتكزة على ضفاف نهر النيل لذلك كانت مطمع لكل الغزاة ، لكنها أبدا لم تستسلم للقهر والظلم والعدوان ..كانت مصر وما تزال عصية على السقوط ،وعصية على الإنهيار والتدمير سواء أكان التدمير خارجيا أو ذاتيا ..وصدق القول الشائع بين الناس والذي تناقلته عبر الأزمان أن مصر هي أم الدنيا، وقلب لعروبة النابض ،وبل وشريانها التاجي في ذات الحال ،لذلك أن سقطت مصر الأم ..هل يمكن أن يصمد الأبناء أي بمعنى آخر هل يمكن أن تستقر فلسطين أوالعراق أو سوريا أو اليمن ،طبعا لا يمكن أن يهنأ لها بال ،ولا راحة بل ستتحول بلداننا العربية بأسرها إلى ملاجئ لليتم ،والتشرد،والضياع ..ومن يقول غير ذلك لا يمكن أن يكون قد درس أبجديات التاريخ ،ولا كنهه !!
كم هي حزينة مصر اليوم لما بحدث من تناحر ،وصراع شرس بين أبنائها من أجل كراسي حزبية واهية،أوسيطرة زعامية بالية، وصراع بين من يستحق ومن لايستحق وتفشي سياسة إقصاء الآخر،وامتداد الصراع وتحوره من سياسي إلى طائفي ..!! ،إن غضبت الأم ،هل يمكن أن يوفق الأبناء ؟!..طبعا الإجابة الواقعية،والتي نستمدها من قلب عقيدتنا الإسلامية أنه مستحيل .. بل أن البركة سوف تنتزع من بين أياديهم أي أيدي الأبناء،وما نلمسه اليوم من كرب شديد ،ومن مآسي مريرة يتجرعها أخواننا في مصر من ضوائق مادية، واجتماعية ،وسياسية وما تشهده الساحة المصرية من ضوائق في الرزق تتمثل في انقراض رغيف الخبز ،والذي أن لم تصطف له الجماهير الغفيرة أمام المخابز بعد صلاة الفجر لن تجد لها فطور..!!، وضوائق في الزحام الرهيب ،وفي البطالة الحالكة السواد،وزيادة انحرافات السلوك الإنساني من سرقة وقتل وترويع الآمنين ،وضوائق حتى في الموارد المائية ،فحتى مياه النهر..نهر النيل العظيم ،والذي قال عنه هيرودوت عندما زار مصر حيث قال أن مصر هبة النيل ..صحيح أن النيل وحده لا يكفي لصنع الحضارات ،ولا النهوض ببناء الدولة بل أن هناك معايير أخرى يرسم ملامحها الإنسان كسواعد المجد لشبابها ،وعقولهم المشرقة ،وحسن استغلالهم للموارد التي انعم الله بها عليهم وإلا ما فائدة النهر إن لم تبنى السدود ،وتتوسع الأراضي الزراعية ،وما فائدة النيل إذا كان يفيض فيدمر كل شيء ،أو ينقص منسوبة فتنتحر المحاصيل ،وتتشقق الأرض العطشى ،الآن أيقنت حقا ما يعنيه هيرودوت أي أن الهبة أن لم نحافظ عليها ،ونحميها حتما سوف تزول أو تتوارى..، وإلا ماذا يمكن أن نسمي ذاك الخطر القادم من أثيوبيا ،والذي أصبح يشكل إشكالية كبيرة ..أثيوبيا،والتي تستغل الصراع الدائر في مصر ،بمباركة إسرائيلية ودعم أمريكي فتنوي بناء سد للكهرباء ،ويعني ذلك هو النقصان في حصة المياه المتدفقة من النهر بواقع 20% هذا إذا امتلأت بحيرة السد في ثلاث سنوات كما يقول احد العلماء المختصين ،ولا ننسى أن هناك اتفاقية قديمة تنص على التنازل عن قطعة أرض لأثيوبيا من قبل مصر بالمقابل تزويد مصر بحصة مياه النهر.. فكيف يمكننا أن نتخيل لو امتلأت بحيرة السد في فترة عشرين عاما ،كيف يمكن أن نتصور المشهد الدراماتيكي والكابوس المزعج ليس فقط بما قد يحدث في أثيوبيا بل ما يمكن أن تشهده الساحة المصرية ،يا أحبائي أيها المصريون الأعزاء إلى قلبي ..لا يمكن أن تكون الحلول لأزماتنا بالتشكيك والطعن ،وحشود الثورات والمظاهرات ،وإراقة الدماء الطاهرة على أرض الوطن ،والتغيير السريع ،بالضغط الجماهيري أو بالحسم العسكري.. بل أن الحلول التي يجب أن نصبوا إليها هي بتقبل واستيعاب الآخر ،من أجل تحقيق المصلحة العليا للدولة ،وعندئذ يجب إعادة الحسابات من قبل الجميع ،وإبداء مرونة وفعالية،والدعوة الفورية لعمل اجتماع طاريء ،وتشكيل لجنة مستقلة مختصة من كبار العلماء ،والذين هم على معرفة وإدراك بعلم إدارة الأزمات قبل ارتطام السفينة بموعد الرعب المحدد ،وتحقيق مصالحة فعلية ،يشهدها الجميع بدلا من الاحتكام إلى الثورة أو الخُلع السياسي بالإكراه ،عندئذ يمكن أن ترضى الأم ..أن ترضى مصر ،فتعم البركة على الجميع من جديد بعد القحط ،والعنفوان ،وإلا إن ارتطمت السفينة السائرة بصخور الجزيرة ،وجنحها بعرض البحر ،هل يمكن أن بشعر احد أفرادها بالأمان ؟!
حماك الله يا مصر،وأسأل الله العظيم أن يحقن دماء أبناءك ،وينزع الحقد والحسد وحب السلطان والجاه من قلوبهم !!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت