إن إصرار الاحتلال الصهيوني على المضي في انتهاكاته غير القانونية وغير الأخلاقية في مدينة القدس المحتلة ، بلغ حدًّا لم يسبق له مثيل، حدًّا لا يرتضيه أي عربي ومسلم غيور ، في الوقت الذي تتهرب جامعة الدول العربية من مسؤولياتها وتلعب دورا بالتنازل عن الحقوق العربية ، حتى أن لجانها كلجنة القدس وغيرها لم يعد لها ذكر ولم يعد أحد يسمع لها صوتًا تجاه التدنيس الصهيوني الحاصل بالمدينة المقدسة. ولكن على الرغم من كل ذلك، لا تزال الثقة بالشعب الفلسطيني كبيرة في مواصلة الذود عن كرامة الأمة العربية ومقدساتها الإسلامية، وعن أرضه وعزته وكرامته، وعدم الالتفات إلى المتاجرات الخاسرة بقضيته، فالكلمة الأخيرة ستظل لصاحب الحق الأساسي، الشعب الفلسطيني ولا غيره.
من بديهيات القول، إن كل هذه الأنظمة القائمة، تتشارك في تحمل مسؤولية الكثير من الويلات ومعظمها تتشارك بالباقي منها.. فالنظام الرسمي العربي، هو المسؤول عن ضياع الحق العربي في فلسطين والمسؤول عن منع الشعب الفلسطيني من تطوير مقاومته بأشكالها المختلفة باتجاه نيله حقه بدولته وهويته، وبالعودة إلى ارضه ودياره ، وبما أن خيبة الأمل كبيرة من أي شيء مرتجي من الولايات المتحدة فإن المصلحة الوطنية العليا والمسؤولية التاريخية تتطلب من كافة الفصائل والقوى والشعب الفلسطيني رفض الدور الأمريكي والتوقف عن سياسة الانتظار وإعلان وطني جريء وصريح بوقف عملية التفاوض باعتبارها اصبحت عبئا على الشعب الفلسطيني وقضيته لا طائل منه ، بعد ان استفاد منها الاحتلال الصهيوني من خلال عدوانه المستمر بحق الأرض والشجر والحجر .
ان التعامل الأميركي والأوروبي مع قضية فلسطين يكشف مرة جديدة أن مهمة هذه الدول الاستعمارية ، هي تكريس هيمنة إسرائيل وتصفية قضية فلسطين ، ورفض السماح بأي خطوة ولو معنوية ، يمكن أن تعتبر هزيمة للمشروع الإسرائيلي الذي يتجسد اليوم بفرض إسرائيل الدولة اليهودية المهيمنة على الشرق العربي.
أننا ندرك جيداً بأن ما اقدمت عليه قناة الجزيرة بعد ان ضاقت ذرعاً بخريطة فلسطين، فقامت بحذفها واستبدلتها بـ"إسرائيل"، فما العجب في الأمر إذاً فهي تحت العباءة القطرية، وجزء من المشروع الأمريكي في المنطقة، وامير قطر هو صاحب نظرية الإستجداء والتسول على أبواب البيت الأبيض والمؤسسات الدولية،و المسوق لثقافة الهزيمة، فكيف لا يترجم اقواله بافعاله .
ان المحاولات الامريكية وما يحمله وزير الخارجية الامريكية كيري الهدف منها طمس جوهر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني ، وقضية شعب مستعمر من جانب نظام كولونيالي عنصري ، وذلك من خلال ممارسات الضغوط على القيادة الفلسطينية للعودة الى مسار المفاوضات العقيمة ، وهذا ما يدعونا الى العمل السريع لعقد مجلس مركزي فلسطيني والخروج برؤية وطنية واعادة تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعيداً عن تأثرات المحاور الإقليمية والتدخلات الدولية، كما أنه يتعين على اطراف الانقسام العمل على استخلاص دروس المرحلة السياسية الراهنة، بما يستدعي منهما الانخراط في تثبيت الأسس الوطنية للمشروع السياسي الفلسطيني في مواجهة الاستحقاقات القاسية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والمنطقة.
ان المهمة الرئيسية لجميع الفصائل والقوى وكافة المكونات الاجتماعية و السياسية والفكرية والمؤسسات والشخصيات مناقشة الواقع الراهن والوقوف أمام مراجعة شاملة للمسارات التي ألحقت الضرر بالقضية ووضعت مصير الشعب وحقوقه الوطنية و التاريخية في مهب الريح0 والسؤال الذي يبرز هل نحن على قدر من المسؤولية التاريخية وهي ان المرحلة الراهنة تتطلب إعادة الاعتبار للقضية الوطنية التي ما زالت حركة تحرر وطني في مواجهة الاحتلال العنصري الاستيطاني لفلسطين .
ان الشعب الفلسطيني يتطلع الى وحدة وطنية ومؤسسات وطنية جامعة لإفشال المحاولات الإسرائيلية سواء تلك المتمثلة في إقامة كيان المعازل (البانتوستانات) تحت مسمى (حل الدولتين)، أم التحضير لمشروع الإدارة الثلاثية (الإسرائيلية - الأردنية - الفلسطينية) للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ، اضافة الى مواصلة تغيير الواقع السكاني والجغرافي في عموم أراضي فلسطين التاريخية.
وامام هذه الاوضاع ألقى الرئيس المصري محمد مرسي خطابا دعا فيه الى قطع العلاقة من سوريا و الى اقامة منطقة حظر جوي على سوريا ودعا الى الجهاد ،.إن أكثر ما أوجعنا كفلسطينيين أنه لم يأت على ذكر القدس التي جعلها هو وغيره شعاراً لهم قبل أن تحصل الجماعة على كرسي الرئاسة ، وقف بالأمس كداعية ومحرض على سوريا، كان يجب ان يدرك أن المعركة الحقيقية يجب أن تكون ضد العدو الصهيوني ، كما كان عليه ان يدرك أن الجهود يجب أن تتوجه لمنع المحاولات الهادفة إلى تحويل مياه النيل الأزرق الذي سيضع الشعب المصري تحت خطر العطش، كما وضعهم السيد مرسي تحت خطر الجوع.
إن ما فعله مرسي يؤكد مرة أخرى أنه ضد إرادة الشعب المصري، أما مطالبته بـ "حظر الطيران" فهي تشير إلى أنه يسير على عكس الرغبة الدولية في إنجاز حل سياسي عبر مؤتمر "جنيف"، وكان عليه بدلا من قطع العلاقة مع سوريا ، قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني واغلاق سفارته ، والوقوف الى جانب نضال الشعب الفلسطيني ، لكنه تجاهل فلسطين والقدس التي تتعرض لعدوان بستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من ارضه وتهويد مقدساته ، وهذا يثبت بشكل واضح أن في الجعبة نقلة جديدة نحو التحالف العلني بين إسرائيل و الدول العربية المتورطة في خطة تدمير المنطقة وتفتيتها وتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
ولا بد من القول ان ما يجري اليوم في محيطنا العربي من تحولات، كنا نتمنى ان تكون حتما لصالح الشعوب العربية وقضاياها العادلة وتقدم مجتمعاتها وان ما طرحته الجماهير العربية من خلال ثوراتها من عملية التغيير والديمقراطية والعدالة هي فعلا نقطة تحول هامة ،ولكن للاسف تم تحويل الربيع العربي الى ربيع التفتيت والتدمير ولا يستثني أحد لأنه يشمل كل ما هو عربي وكل شيء مازال ناهضا وشامخا ومتطورا يخدم الشعب ولأنهم يريدون شعب عربي بلا ماء ولا كهرباء ولا بترول ولا تعليم والقضاء على الحريات العامة والتقاليد ، فتدميرهم يشمل كل تقدم وأبسط الخدمات القائمة يريدون تسويتها بالأرض وما يحدث في العراق وسوريا وحدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن يؤكد تحليلنا بهدف ابعاد الشعوب عن البوصلة الحقيقية فلسطين ، لكننا نحن على يقين بان القوى الحية باحزابها وقواها ستبقي فلسطين، القضية والإنسان، حيةً في وجدان الامة ، فالشعب الفلسطيني الذي كتب بالدم رسالة فلسطين والحرية والاستقلال والعودة ، سيبقى متمسكا باهدافه حتى تحرير الارض والانسان ، وما زال الشعب الفلسطيني الذي قدم الآلاف من قوافل الشهداء مستمراً في صموده ونضاله .
وامام كل ذلك نرى اهمية توحيد جهود القوى اليسارية والديمقراطية العربية من خلال تقديم كل اشكال التضامن من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال القومي الديمقراطي باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني من الدرجة الأولى.
ختاما : لا بد من التمسك بنهجٍ المقاومة بكافة اشكالها في مواجهة الاحتلال وممارساته، وأنه لا خيار أمام الشعب سوى مواصلة النضال من أجل حريته واستقلاله ودحر الاحتلال الاستيطاني .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت