الانقســام المفتــرى عليــه

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


بالتأكيد ليس دفاعا عن الانقسام وليس مدحا في كل من ساهم بحدوثه ووصولنا الى وضعه الكارثي وليس تقليلا من فداحة نتائجه وحجم جريمة مرتكبيه وليس تقليلا من خسائره البشرية أو السياسية أو المعنوية وليس تهميشا في دوره في تشويه صورة النضال الفلسطيني وليس خافيا مدى الخدمات التي لا يمكن وصفها في سطور والتي قدمها هذا الانقسام للعدو الصهيوني من خلال إشغال الشعب الفلسطيني على مدار سنوات في شئون داخلية بعيدة عن جوهر الصراع الحقيقي مع الاحتلال ومؤامراته وكما يقوم به بشكل متواصل على الأرض وكذلك ليس استهانة بحجم الخسائر الاقتصادية التي أصابت الشعب الفلسطيني وفوق كل ذلك حجم المعاناة التي عاناها كل فرد فلسطيني نتيجة هذا الانقسام الذي مزق الوحدة الداخلية وساهم في زرع ثقافة التشرذم وتمزيق وحدة الوطن وفصل بين أبناء الشعب الفلسطيني على اساس فصائلي مقيت .

بالرغم من كل ماسبق وهي حقائق لا ينكرها إلا جاهل أو ساذج أو مكابر فقد عقله أو من لا يعرف حقيقة ما يجري على أرض الواقع ولكن السؤال الذي أطرحه دائما كلما بالغ البعض في تحميل هذا الانقسام كل الفشل الفلسطيني على كافة الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو هل بالفعل كان الوضع الفلسطيني قبل عملية الانقسام الحالية في أحسن أحواله ؟ هل كنا في حالة نجاح سياسي واقتصادي واجتماعي ؟ هل كان هناك حالة توافق سياسي بين كافة الفصائل الفاعلة على الساحة الفلسطينية ؟ هل كانت العملية السياسية في أحسن أحوالها وكنا نقترب أكثر من تحقيق حلم الدولة وجاء الانقسام البغيض ليفشلها ؟ .
أم هل كانت الحقيقة مستترة عن الكثير من المراقبين وكانت الصورة الخارجية للشعب الفلسطيني كاذبة وخادعة ؟ وكان الكثيرين يظنون أن وضعنا الداخلي بخير وكلنا موحدون تجاه العدو الرئيسي وهو الاحتلال ، وهل الانقسام الذي وقع قبل عدة سنوات كان وليد لحظته أم هو عملية كشف لحقيقة كانت موجودة منذ سنوات ولم يجرؤ أحد على الاعتراف بحقيقة وجودها ؟ هل حاولنا قبل الانقسام معالجة حقيقة العلاقات الوطنية الداخلية واستدراك ما يمكن استدراكه واستباق الاحداث ؟

من هنا كانت فكرة هذا المقال بأن الانقسام في حقيقته ليس هو من أنشأ كل ما سبق ذكره بل الانقسام في حقيقته كشف الحقيقة لكل من لم يعلمها أو تعامى عنها ولعل الانقسام فضح ما كان مخفيا وكشف اللثام عن الجميع وأخرج على الملأ كذب وخداع الكثير من الشعارات الجوفاء وأكد أن الشعب الفلسطيني مثل بقية شعوب العالم التي مرت بهكذا تجارب وأنه ليس محصنا منها ، وكل الشعوب التي تعرضت لمثل هذا الاحتلال المعقد مرت بذات التجربة من خلافات داخلية وصولا للحرب الاهلية في كيفية التعاطي مع سياسة الاحتلال أو مرحلة ما بعد الاحتلال .

ولعل الانقسام بوجهه الاسود الكريه وضعنا مباشرة أمام أنفسنا ومسئولياتنا وصرخ في وجه الجميع بصوته المزعج " انتم هكذا وهذه صورتكم وهذه حقيقتكم فماذا أنتم فاعلون ؟ " ، الانقسام فضح حجم الفشل الذي تراكم على مدار عقود من العمل الغير منظم والبعيد كل البعد عن عمل المؤسسات المخطط وأوضح لكل جلاء السبب الحقيقي لتقدم ونجاح خصومنا في التلاعب بنا وبمقدراتنا ، وفضح حقيقة الانظمة التي كانت تدعي حرصها على القضية الفلسطينية كيف سارعت بالتغزل بطرفي أو بأحد أطراف الانقسام ، كثير من الأمور اصبحت أكثر وضوحا بعد أن أزال الانقسام الغطاء عن الكثيرين .

الانقسام فضح حقيقة المواقف والمباديء التي تغنى بها كثيرين وأجبر أطراف عديدة للتقدم وأطراف أخرى للتراجع في عملية ليست عبثية وإنما كشفت اللثام عن عمل سبق الانقسام بسنين وتم إعداد قيادات ووسائل إعلام وطاقات وقدرات لقيادة مرحلة الانقسام وما بعد الانقسام ، الانقسام كشف حجم شهوة السلطة وحجم الاستعداد للتمسك بها حتى لو كانت فارغة وبلا مضمون ، الانقسام كشف حجم التآمر وحجم الخطط الموضوعة لإيصال القضية الفلسطينية الى محطتها الأخيرة وهي القبول بما يطرحه الاحتلال من حلول كانت في مرحلة سابقة تصب في خانة الخيانة العظمى .

الانقسام ساهم بشكل كبير الى إنضاج الكثير من القيادات الفلسطينية الكبيرة للتعاطي مع الحلول السياسية الراهنة ودفع الكثيرين لمعسكر الاعتدال بحكم ارتباط المصالح بهذا المعسكر ، الانقسام حقق للبعض مصالح اصبح يخشى من خسارتها ومستعد للدفاع عنها بكل ما يملك من إمكانيات .

وفي النهاية الانقسام وضع الجميع أمام حقيقة نفسه وصرخ في وجهه " هكذا أنت وهذه حقيقتك فلا تلعني ولا تتهمني وكفاك كذبا على نفسك " ، وصرخ الانقسام في وجه آخر " انتم لستم قادة بحجم قضيتكم وهذا هو حجمكم الحقيقي فلا تلوموني لان هذه هي حقيقتكم " ، وصرخ في وجه الجميع " لا تلعنوا الانقسام أكثر من ذلك ولكن بعد أن عرفتم حقيقتكم عالجوا أنفسكم ولا تختبئوا وراء أوهام في عقولكم " .

م. عمــاد عبــد الحمــيد الفــالــوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت