لم يكن القطار أبدا على مسرح حياته،مجرد وسيلة للنقل ، ،وقهر للمسافات طويلة كانت أم قصيرة ،ولكن القطار كان مصدر الهام ،وإغراب وتأمل ،وألم ،وجمال ،وتشويه ، ،لهفة ولوعة..حقيقة هو مقتنع برأيه أن من لم يركب القطار ،فقد عاش ،ومات وهو على حافة الحياة ،ولأن القطار في مخيلته ليس فقط بطل من أبطال الحياة ،أوالمسرح أو السينما ،ولم يكن القطار كذلك عنده كبطل كما في الأدب الروسي الحديث في رواية " أنّا كارنينا "لتولستوي ،والتي ما أن يقرأها أحد أو يراها على الشاشة ،إلا ويخرج، والقطار في ذهنه من أبطال القصة أو كما في الدراما المصرية المأخوذة عن نفس الرواية "نهر الحب " ،بل أن القطار عنده كان بمثابة الدنيا ،وعالم آخر يتجاوز السكك الحديدية ،ويتجاوز المحطات،وأجراس المزلاقانات، فهو يحمل أي القطار، كل المتناقضات ،وكل أصناف الناس من مجرمين ،وأبرياء ،ومن طيبين وخبثاء ..لكن الذي يثيره في القطار أنه يسير بعجلاته على سكك ،لا يتجاوز حدودها الضيقة ،وإن مايراه خارج القطار ، هو يراه أيضا موجود بداخله .. المهم أنه راح بفكره العميق يتخيل الثورة الهائجة ،والقادمة في 30يونيو القادم ،والتي قد أوشك القطار على الوصول إلى محطتها ،وأخذ يتساءل في قرارة نفسه ..
أيكون القطار القادم كقطار الرحمة ،الذي جاء بعد نكبة 1948، والذي أمر الرئيس المصري (محمد نجيب) بتسييره إلى غزة بعد أن يمر بمدن وقري ونواحي وحارات مصر من أسوان جنوبا إلي الإسكندرية شمالا, بالإضافة إلي خط القنال وشرق وغرب الدلتا, بهدف ، جمع أكبر معونات عينية ومادية من جماهير مصر في مختلف المديريات قبل أن تصبح محافظات ،وتوجيه هذه المعونات إلي اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا مشتتين هنا، وهناك في مصر وغيرها من البلدان العربية،رغم الأوضاع الصعبة التي كان يعيشها المصريين آنذاك من فقر مدقع إلا أنهم لم يتقاعسوا أبدا، في المساعدة بتبرعاتهم ،وهبتهم الجماهيرية الرائعة..إذا المسألة كانت موقف عظيم من شعب عظيم ،وكريم ،هو إحساس بالمسئولية ،ومؤازرة الآخرين في محنهم ،والشعور بألآمهم ،وأوجاعهم ..!! ،فما بالنا اليوم عندما تدب المخاطر، والأهوال ،ونواقيس الخطر بالجسد ،والنسيج المصري الواحد.. كيف يمكن أن نتصور النتائج ،إذا خرجت الجموع وسط الزحام من الملايين في مسيرات مؤيده أو مناهضة ،رغم أن من حق الجميع أن يعبر عن آرائه ،ويعبر عن حقوقه وتطلعاته نحو المستقبل ،لكن هل الجميع برغم تباين الأيدلوجيات يمكنهم أن يتقبلوا بعضهم البعض ،فيضمدون الجراح ،ويتعالون بأخلاقهم الراقية من أجل الوطن والوطنية ،وهل تسود حالة المحبة والعطف والرحمة فتخيم على الأجواء ،أم سيحاول كل فريق من الأخوة الفرقاء أن يلقي بخصمه تحت عجلات القطار القادم في 30،لكن سؤالا بات يفض مضجعه هل عندما يأتي القطار ،والذي هو أحد ركابه هل سيرى على محطة الثائرين نفس المشهد الذي كان يراه عند سفره على المحطات الصغيرة ،حيث كانت تجلس الفلاحات ،وقد فرشهن أمامهن أشهى المأكولات المصرية البسيطة من فطائر ،وخضار وفواكه ،وأجبان بيضاء كقلوبهن ، أم قد تبدلت الأحوال اليوم في مصر .. فلم يعد سوى الأشواك ، والحنظل ؟!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت