عُلماء الفِتنَة ومُفكري الليبرالية

بقلم: فراس ياغي


يُفتننا الكثير من المفكرين العرب من كبيرهم وحتى صغيرهم حول ديكتاتورية الأنظمة العربية في شمال أفريقيا وفي بلاد الشام، حديثهم المُوجه عِبرَ فضائياتهم تأتي من دول لها من العراقة الديمقراطية والليبرالية عقود إن لم يكن قرون...الغريب أنّ هؤلاء لا يَخجلون مطلقا عندما يتجاهلون الواقع الذي يعيشون فيه بل يجادلون بإعطاء الفُرَص لمن لا يؤمن بالشراكة ولا حتى بتعدد الأفكار...وحين تقول أو تكتب بأن ما تقولوه يؤسس لقاعدة أصولية أكثر من كونها تعددية...يجيبوك فوراً بأنهم يقفون مع الشعوب وضد الديكتاتورية والتعصب القادم من علماء الفتنة، وكأن هذه الغالبية من الشعوب ليست مع هذا الطرف أو ذاك، هم لا يريدون أن يقولوا أن مصالحهم إرتبطت بالبعض اللا ديمقراطي الذي يدعم بالمال والسلاح فكرة تعميم الديمقراطية وكأن هذه الفكره لا يتم تسويقها إلاّ عِبرَ التخريب والتدمير، ودول ما عرف بالربيع العربي شاهد واقعي وعملي على ما يحدث.
دُول التخريب العربي المستندة للمال والبترول وعلماء الفتنة والمفكرين العرب ليس في واردهم فكرة الديمقراطية كثقافة، هي تُصدر أصلا نوعين من الناس والمال، الأول: أصولي سلفي قاعدي متطرف لا يقبل أحداً، حتى أنه لا يَقبل من يُرسله، لكنه يَقبل بالتسهيل الذي يحظى به ليستغله في الترويج لعنفه وتطرفه وفكره على الأرض وفي الفضائيات الدينية والإخبارية، الثاني: الإستهلاك الإقتصادي وبرامج المنوعات الغنائية والمسلسلات المدبلجة وغير المدبلجه...الخ من برامج همها تسخيف الإنسان العربي كفرد وكثقافه تقوم فضائياتهم بالترويج لها...وأمام هذين النوعين يقف المفكر وعالم الدين في جانب الأول ويتجاهل الثاني، فقد إجتمع مثلا علماء الفتنة في "القاهرة" للدعوة لحرب دينية وبإسم مواجهة الديكتاتورية "الأسدية" في سوريا، كُل هؤلاء العلماء لم يناقشوا سوى "حيّوا على الجهاد في سوريا" وتناسوا كل ما يعاني منه الإنسان العربي المسلم وغير المسلم من ظلم إقتصادي وفقر مدقع وفساد مالي يؤدي بالضرورة إلى ظلم إجتماعي ذاتي وموضوعي بل تجاهلوا القضية المركزية، قضية فلسطين حتى وبحضور علماء يمثلونها.
لو كان هؤلاء المفكرين أصحاب البدلات والياقات غالية الثمن، واصحاب العمامات المصنوعة في لندن "عاصمة الأسلمة السياسية"، يأكلون من خُبز الفقراء وفولهم وطَعميتهم، وينامون في الأحياء المهمشه والفقيره، لكان بالإمكان فهم دعوتهم، أمّا أن يدعوا الفقراء للجهاد فما هو إلا تعبير حقيقي لإبعاد هؤلاء عن التمسك بالعدالة الإجتماعية والإقتصادية لصالح فكر أدلجته وروحه إتقاء شرهم بقتلهم وتخديرهم بفكرة واقعيتها كواقعيتهم هم...فهم يعيشون لصالح مصالحهم بطرح خيالهم الفكري والديني الذي يحميها، فلا بدّ من عدو وديكتاتور يُقربّهم من ولي نعمتهم في الغرب الديمقراطي الليبرالي وفي الشرق حيث البترول والمال.
قال تعالى: "إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" صدق الله العظيم، فمن يخشى الله هو العالم بقدرة وعظمة الخالق، ومن لا يخشاه الذي لا يعرف قيمة ما خلقَ الله، والدعوة للقتل بإسم الجهاد ليست سوى باب من أبواب عدم التقدير الحقيقي لقيمة الخَلق ومعناه، ف "إبن مسعود" رضي الله عنه قال "ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخِشية"...أفلا يخشون لقاء ربهم، فدعوتهم ستؤدي لأن يحملوا في أعناقهم دماء الأبرياء من الطرفين، أليس الصلح والحل السياسي أقَلُّ ثمناً وأنجع طريقه؟!!! وأين المفكرين العرب كبار وصغار من دعوة مثلث الجهاد "العرعوري-القرضاوي-العريفي"؟!!!
يقول إبن طاووس الحِلّي: أصعب مخالطه...هي مُخالطة العصاة...سواء كانوا ولاة أو غيرُ ولاة"، لكن الأصعب من كُلِّ ذلك تبرير المفكريين للقتله بإسم الحرية أو بإسم ردات الفعل، وحتى إعتبار ذلك أحداث هامشية ليس لها جذور سوى مفهوم الإنتقام، وفي الحقيقة، هي محاولة بائسة من مفكريين بؤساء يعتقدون أنهم بذلك ينسجمون مع أنفسهم ودعواتهم للحرية والديمقراطية.
الديمقراطية مسألة ثقافية أحد أطرافها الإنتخابات وتداول السلطة، وأساسها عقد إجتماعي "دستور" يحفظ الحقوق والتعددية ومدنية الدولة ويحافظ على حقوق الأقلية ويسمح بالتعبير البناء البعيد عن الإرهاب الفكري قبل أي إرهاب آخر...الديمقراطية حياة تبدأ بالفرد وتستشري في المجتمع وبين افراده إستناداً لقوانين مُقَرّه وأحيانا أخلاقية متفاهم عليها، لكن علماء العمامات والمفكرين الكبار والصغار من الليبراليين أصحاب الدعوة للمواطنة الحديثه يرونها أغلبية وأقلية وفق مفهوم إنتخابي بحت...وما بين عالم دين يدعو للقتل "الجهاد" وبين مفكر ليبرالي لا شيء سوى البترول والمال...وما بين مُشبع بفكر تكفيري ومُشبع بفكر ليبرالي حديث، ليس سوى مصلحه مؤقته سينقض لاحقا التكفيري على الليبرالي للتخلص منه وأيضا تحت عنوان "الجهاد"...الفكر الحُر يحتاج لنظام أساسه العدل الإجتماعي والإقتصادي، وبناؤه تَعَدّدي لا يسمح بسيادة الفكر المُطلق كمفهوم لنظام الحكم، ولا يقبل بتفصيل الناس وفق مقاسات سياسية، بين مُسلم مؤمن بالجماعة والسلف، ومُسلم فاسد ومُسلم نصيري كافر ومُسلم صفوي ومُسلم شيعي مُرتد، ومُسلم سُني مرتبط بالديكتاتورية وغيرها الكثير من الأوصاف التي تتطلب ممن يعتقد نفسه أنه مفكر عربي كبيراً كان أم صغير أن يقف في وجه هذه الموجه القادمة من عُمق الليبرالية وعِبرَ عُمق الرجعية.
سيد البشر صلوات الله عليه وسلم، قال لعمه "أبا طالب" حين حضرته الوفاة، يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحَاجّ لك بها عند الله لكنه أبى، فنزلت الآية الكريمه "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" صدق الله العظيم، فاللهم إهدي من قلبه يُحب الهداية، واللهم إرشد الذين يُسمّون أنفسهم علماء ومفكرين لمفهوم التعايش ومفهوم اللا عنف، فأنت الهادي وأنت العالم للغيب وما في القلوب، اللهم آمين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت