من الظواهر الغريبة تثير العجب في بلادنا في الآونة الأخيرة ، تلك المأساة الإنسانية ،والتي يشهدها قطاعنا الحبيب في غزة هو حدوث أكثر من حالة انتحار، وقتل للنفس بصورة متعمدة ،وهذه طفرة خطيرة لم يشهدها مجتمعنا الفلسطيني من قبل وخاصة بهذه الصورة المخيفة البشعة ،كم أتألم كثيرا لمجرد سماعي أي حالة انتحار ،..ثم من المسئول عن هذه الكوارث صحيح أن أحد الأسباب الرئيسية هي ضعف الوازع الديني ،و الاكتئاب ، الشعور بالعجز واليأس ، مشاعر واتجاهات سلبية لدى الشخص عن نفسه ، وانهيار معنويات الشخص ، العزلة الاجتماعية ، البطالة ، الإصابة بالأمراض الفتاكة مثل الإيدز ، الإختلالات العقلية الوراثية ، عدم توازن الكيماويات الحيوية في المخ ،وهناك عامل آخر خطير ومركزي برأيي أسميه بكل بساطة المجرم المجهول والذي لا يدينه القانون أبدا ولا يقع في قفص الاتهام ،ذاك المجرم ،هو الاختبار التعقيدي الصعب!! نعم ذلك الاختبار الذي لا يراعي الفروق الفردية ،ولا يراعي الإنسانية الحقة فيبطش بطشا شديدا دون أدنى شفقة أورحمه بالطلاب !!.
وأنا هنا حقيقة أسلط الأضواء على فئة معينة ألا وهي طلبة،وطالبات الثانوية العامة أو التوجيهي ،وفي فترة زمنية محددة ألا وهي فترة الامتحانات ،تلك الامتحانات التي يضعها عباقرة هذا العصر والأوان ،أمثال ........أولئك الذين يضرمون النار في عقول أبناءنا ،وفي قلوبهم الضعيفة ،قبل أجسادهم.. زاعمون أن الاختبارات تراعي الفروق الفردية للطلاب أي تناسب كافة المستويات والحقيقة بعيدة كل البعد عن الزيف والافتراءات التي يتشدقون بها ،هم يضعون بفلسفة زائدة ويبدعون ، بكل جبروت وتهكم تجاه الطلاب فيبتكرون أسئلة تحاكي جاجارين ولافوازيية أتحدى إذا كانوا هم بأنفسهم يعرفون أبجديات حلولها ،وهذا أمر لايعنيهم كثيرا المهم جمال ورونق ورقة الاختبار ، ما أسعدهم عندما يستنكر الطلاب صعوبة الاختبارات، وكلما اشتكى الطلاب من مادة بعينها أثلجت صدورهم ،هؤلاء بكل أسف حالهم كما أخبرنا الحق سبحانه وتعالى :"وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها" فهم لا يتذوقون نشوة الانتصار إلا بمزيد من الشكاوى والصراخات الطلابية، وقتل النفس فذلك هو المعيار المناسب ،وذلك هو الاختبار الغير صادق ،وليس الصادق كما يصفه التربويين ..إذا الأمر عندهم معركة عظمى ،وهدف استراتيجي ،وتكتيكي معركة تتطلب اكبر قدر ممكن من القتلى والمنتحرين ، صحيح أنه قد بينت الدراسات أن أسباب الانتحار حتى أكون موضوعي لا ذاتي في الأعم الأغلب هوبسبب تفشي ظاهرة البطالة والعوز والفقر التي يعيشها المنتحر والظروف الاجتماعية الضاغطة وأحيانا تلعب ألحاله العاطفية دورا في زيادة نسبة حالات الانتحار بين الشباب والشابات في عمر العشرينات في حين هناك حالات انتحار تسجل بين الطلبة عندما يخفقون بالنجاح خاصة في الثانوية العامة وان الانتحار لا يقتصر على فئة عمرية محددة وان كانت النسبة الأكبر ضمن فئة الشباب في العشرينات..إلا أني هنا أتطرق على وجه الخصوص إلى حالات الانتحار بسبب الامتحانات، والرسوب في الثانوية العامة!! أما عن الحلول.. أول الحلول لظاهرة الانتحار برأيي الغير ملزم يقع على عاتقكم انتم أيها القائمون على سير العملية التعليمية والبرنامج التربوي ،وكذلك يقع الأمر على عاتق الأسرة بمراقبة تصرفات وردات فعل أبنائهم وبناتهم ومراقبة أفعالهم ونفورهم واستجابتهم للمتغيرات في الحياة بالإضافة إلى دور المدرسة والجامعة التي يجب أن تضم مرشدين نفسيين حقيقيين ،وكذلك دور خطباء المساجد في النصح والإرشاد .. فضلا عن دور الأجهزة المختصة في محاولة احتواء حالات الانتحار!! المهم أنكم واضعي الامتحانات تخوضون معركة تتطلب أسر ..كم هائل من الطلاب المشردين والضائعين،لينضموا بكل بساطة إلى طوابير البطالة المتعرجة خطوطها ، وكأن الدولة ينقصها ذلك لتتوازن أحوالها .. لما تريدون من طلاب القسم العلمي أن لايقربوا كليات الطب أو الصيدلة أو الهندسة وكأنها محرمة عليهم ،وأن عليهم أن يتيهوا في الأرض ، بعد ذلك فينبشون أي أولئك الطلاب في دياجير الكليات الأخرى،ولهم آن يتخيروا كلياتهم.. فبعد ذلك لهم ما يشاءون ..،طالما أن الخطة التعليمية الوضيعة والمتدنية ،والتي تطبقونها في بلادنا ..تحقق أهدافها تلك الخطة التي تتطلب قمة بلا سواعد ،قمة بلا رجال أوصناع للمستقبل ،قمة خالية الرؤوس ،وبلا مجد وعزة ..!!لما تريدون أن تتجه الجموع الطلابية نحو القيعان ،ونحو السقوط الحر، ولذلك ترغمون طلاب القسم العلمي بأن يجيبوا بكل قسوة، وشناعة ،رغما عن أنوفهم على مسائل في الرياضيات أوالفيزياءأو والكيمياء يحتار في حلها فيثاغورث و اينشتاين والخوارزمي ونيوتن..!! ليس معنى ذلك هو عجز وعدم مقدرة منهم أي من أولئك العلماء الذين خلّد ذكراهم التاريخ ،والذين ُتدرس نظرياتهم إلى اليوم في مدارسنا ،وجامعاتنا ..وإنما لأنكم مع خالص احترامي لكم تنقصكم الخبرة المنهجية في كيفية وضع السؤال ،فنراكم تجوبون بمخيلتكم الشاذة فترسمون لطلاب القسم الأدبي خريطة معالمها خارج نطاق الكرة الأرضية ،وتستدعون كالسحرة ،والدجالين قارات من الأكوان الأخرى ،وبحارا وأنهارا لم تكتشف بعد في عالمنا المعاصر ، وتطلبون من الطلاب تحديدها بدقة ،ورسمها على سطورِ ورقية ضيقة ..ضيق ضمائركم ،وضيق صدوركم، وإنسانيتكم العارية ،وأما عن التاريخ فيكفي يا أيها السادة ..أن تاريخنا العربي المزيف، والذي يضع بصماته،وينسج حروفه ومجرياته أصحاب السلطان والسيادة والاستبداد ،فإذا كانت تلك حقيقة التاريخ فمن يستطيع أن يصيب الحقائق ويكشف الأكاذيب والوشايات وأنتم شهداء باطل على ذلك ؟!! يا سادتي ..!! أيها المسئولون عن وضع الامتحانات عليكم أن تعلموا أن من لا يَرحم لا يُرحم ،وأنكم تتحملون بنواياكم العفنة مسئولياتكم أمام الله عن كل حالة انتحار بسبب اختباراتكم التعقيدية..!! ثم من قال لكم أننا نريد أن يكون أبناؤنا ،والذين هم بالقسم العلمي أن يكونوا أطباء أو مهندسين أوأن يكونوا في الرياضيات كإقليدس أوهنري لوكاس وفي الكيمياء كشرودنجرأوالحسن بن الهيثم،وفي الفيزياء كبطليموس اوكوبرينكوس؟! ..من قال لكم أننا نريد أن يصبح أبناؤنا الطلاب بالقسم الأدبي أن يكونوا في الفلسفة كأرسطو أوشكسبيرأومكيافللي ..من قال لكم أننا نريد لأبنائنا في مادة الجغرافيا أن يكونوا كالإدريسي أوفلاديمير كوبن ،ياسادتي أيها المسئولون عن البرنامج التعليمي ..!! اتقوا الله فنحن إنما نريد لأبنائنا أن ينجحوا ،ويخترقوا خطوط حروبكم الشنعاء ،و أن تنتشلوهم من الانحراف، والضياع ..ثم أني أعلم أنه في كل الجامعات العربية في بلاد العرب أوطاني لها تنسيق خاص يتحدد أويتقيم بعلامات الطلاب إلا في بلادنا فمن يحصل على معدل 90% يتساوى مع من حصل على معدل 60أو 65% ..!!بالله عليكم أليس هذا قمة الظلم ،وقمة في الجور تجاه أبنائنا الطلاب ؟!!ولكننا لن نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل ..!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت