ما عاد بمقدورنا الا أن نقف امام الاوضاع التي تعيشها فلسطين والمنطقة ، فيجب بكل وضوح مغادرة المسار الانتظاري هو الخروج من مرحلة الجمود الى مرحلة ستمكننا من طرق منافذ و طرق اخرى اكثر جدوى و فاعلية لنضالنا الوطني فلا رجاء من ادارة امريكية وضعت كل امكاناتها بيد الاحتلال العنصري الصهيوني وتواصل سياستها بفرض الاملاءات والشروط السياسية في فلسطين و المنطقة .
علينا ان ندرك ان الطريق الاصوب و الاسلم يجب ان تنطلق من خلال مواقف فلسطينية و عربية حازمة تصون القضية الفلسطينية والمصالح الوطنية و القومية ، والاستفادة من الدعم الدولي الشعبي، الذي باتت تحظى به القضية الفلسطينية، بعد الانكشاف المتزايد لحقيقة الدولة الصهيونية، كدولة فصل عنصري، تضطهد شعباً آخر، وتصادر أرضه ومياهه، وتحول حياته إلى جحيم، ضاربة عرض الحائط بأبسط ما بات متعارفاً على ضرورة حمايته والدفاع عنه، وفرض احترامه، من حقوق الإنسان، وخاصة قدوم متعاطفين مع قضية الشعب الفلسطيني، إلى الارض المحتلة، من شتى بلدان العالم، للتعبير عن تضامنهم ودعمهم ، مغامرين حتى بدفع ضريبة عالية لهذا الموقف وصلت مراراً إلى فقدان حياتهم، إزاء وحشية الاحتلال الإسرائيلي.
أن خيبة الأمل التي يريد البعض ترويجها بالتنازل عن الحق الفلسطيني في كامل اراضي 1967 ، سيفتح المجال أمام إضفاء الشرعية على سياسة إسرائيل (الأحادية الجانب)، ويسقط حق الاعتراض الفلسطيني الدائم على ذلك، كما أن السوابق التاريخية وميزان القوى يرجحان أن تكون إسرائيل هي الرابحة في أي سباق ل(إيجاد الحقائق على الأرض). وبدلاً من وضع الأسس لقيام دولة فلسطينية سيادية متصلة وقابلة للحياة فعلاً، وعاصمتها القدس، فإن الخوف هو أن تؤدي (البراغماتية) الفلسطينية المتهافتة، إلى كيان جزئي مصطنع ومتقطع الأوصال، لا يختلف كثيراً عن مشروع (الحكم الذاتي) الذي كثيراً ما اعتبرته إسرائيل (الحل الأمثل) للقضية الفلسطينية.
ومن هنا نقول بكل صراحة ان لا شيء مرتجي من الأمريكيين ، وإن المصلحة الوطنية العليا والمسؤولية التاريخية تتطلب منا أن نعلن بالفم الملئان رفضنا للدور الأمريكي والتوقف عن سياسة الانتظار وإعلان موقف وطني جريء وصريح بوقف عملية التفاوض على اساس الثنائية الامريكية باعتبارها عبثا لا طائل منه وكلف ويكلف شعبنا مزيد من دفع الأثمان الباهظة لعدو استمر في سياسة الإجرام بحق الشعب ووجوده وبحق الأرض والشجر والحجر وتحميل الأسرة الدولية مسؤولية الفشل في مواجهة العربدة والغطرسة الصهيونية وإدارة الظهر للأعراف والمواثيق والقرارات الدولية فانتهاكاتها وحدها كفيلة بمعاملتها معاملة حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وعزلها دولياً بدلاً من محاولات التمسك بالعودة الى خيار المفاوضات .
ان استمرار الانقسام الداخلي وتشتت جهود كافة القوى وإمكانياتها نتيجة مواقف البعض المرتبط بمشروع الاخوان المسلمين ، يتطلب استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني للقيام بمسيرات واعتصامات من اجل رفض حالة الانقسام والتشتت والضعف الذي يفقدنا القدرة على استغلال كل عناصر فعلنا وإمكانياتنا في خدمة معركتنا الوطنية ضد الوجود الصهيوني. ولا مبرر لاستمرار هذا الواقع وانتظار ما ستؤول له التطورات والأحداث في المنطقة والعالم وإخضاعها لحسابات الربح والخسارة.
ان الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ظروف احتلالية و واقتصادية يتطلب وقفة جدية ملتزمة إزاء استحقاقات إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وعدم انتظار التطورات والظروف لتفعل فعلها الإيجابي أم السلبي اتجاه تحقيق هذا الهدف فبقاء الوضع على حاله يزيد الأمور تعقيدا على مختلف الصعد حيث تزداد عوامل التفرقة والانقسام في ظل تعاظم التهديدات على حالنا الوطني وقضيتنا بما يعزز فرص فرض الأجندات علينا وبما لا يتلائم ولا يتفق مع مصالح شعبنا ،ومقتضيات وضرورات تطوير نضالنا وتعزيز حضورنا السياسي والإعلامي والدبلوماسي بما يمكننا من فضح وتعرية السياسات العنصرية الصهيونية والتي تمارس كل صنوف الإرهاب والبربرية
وفي هذا المجال نرى ما تتعرض له المنطقة من تدخل امريكي استعماري من خلال المساهمة المباشرة وغير المباشرة، بهدف الانقضاض على ما قامت به الثورات العربية من اجل التغيير الديمقراطي ، ودعم جماعة الإخوان المسلمين، و الاعتراف بهم كقوة سياسية علنية بعد أن أعلنوا بطرق مباشرة وغير مباشرةالتزامهم بسياسات الاعتدال على الصعيدين الداخلي والخارجي ، الأمر الذي يثير كل دواعي القلق بالمعني الموضوعي من سيرورة مشهد الإسلام السياسي في علاقاته السياسية الراهنة والمستقبلية مع التحالف الإمبريالي الصهيوني، وما سيؤدي إليه من تنازلات سياسية خطيرة على راهن ومستقبل النضال الوطني الفلسطيني ، التي قد تكون أشد مرارة وقسوة من أي مرحلة سابقة.
في ضوء معطيات هذا المشهد ونتائجه وآثاره ، فأننا لا نعول ابدا على متغيرات ايجابية على القضية الفلسطينية، بل على العكس، ستتراكم العوامل السلبية باتجاه المزيد من تكييف حركة حماس لكي تتوافق وتستجيب لسياسات الإخوان المسلمين ،وفي إطار ارتباط النظام العربي الراهن وجامعته العربية" بالسياسات الأمريكية ، وهي أنظمة باتت اليوم تَعتَبِر القضية الفلسطينية عبئاً ثقيلاً على كاهلها ، ترغب وتسعى للخلاص منه بأي ثمن.
ومن هنا تسعى بعض قوى الاسلام السياسي والقوى المتطرفة في المنطقة بدعم من الولايات المتحدة الامريكية اشعال نيران الفتنة الطائفية والمذهبية وصولا الى تفتيت المنطقة إلى دويلات وأقليات متناحرة متناثرة، وما جرى في لبنان وتحديدا في منطقة صيدا هو جزء من هذه الحلقة وهذا يدعونا الى استمرار سياسة الحياد الايجابي حتى نتمكن من مواجهة المخطط الأميركي الإسرائيلي الذي يعتمد اليوم أداة عميلة وعمياء هي عصابات التكفير التي اسند إليها الدور المحوري في تأمين الحماية لإسرائيل وتشتيت منظومة المقاومة التي ألحقت بها الهزائم وما ستحققه المقاومة العربية الشاملة لهذا المشروع هو حماية دول المشرق من المخطط الدموي الأميركي الإسرائيلي التكفيري الذي بات قاعدة الفرز على مساحة الوطن العربي المهدد بأسره برياح الفتنة المخططة والمرسومة في كواليس القرار الأميركي الإسرائيلي وكل باقي الجوقة المشاركة في هذه الحرب حكومات وجماعات ليست سوى أذناب للمشروع الدموي ومحركيه و هذا هو المعنى الواقعي لسايكس بيكو الجديد الذي يحكى عنه لتمرير تصفية فلسطين و قضيتها و فرض أمر واقع جديد و باكتمال الصورة ، وهذا يتطلب مواقف حاسمة من القوى الحية من اجل مواجهة الهجمة و تأسيس لمرحلة جديدة بقدر كبير من الحزم و الوضوح .
وختاما لا بد من القول ان السبيل لمجابهة هذا الفصل التصفوي الجديد هو الوعي الشعبي لخطورة ما يدبر ومن هنا تقع على عاتق كافة القوى مهمة رفض اي تنازلات جديد على حساب الحق الفلسطيني والعمل من اجل استعادة كل الوسائل الأخرى المشروعة، ومن ضمنها المقاومة الوطنية بكافة اشكالها بمواجهة الأخطار ولكي تأخذ المواجهة أبعادها الصحيحة والسليمة، وتعطي للصراع بعده المستجيب لتطورات وترابط الحلقات وطنياً وقومياً في شتى ميادين الصراع .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت