لا تقولوا مصالحة، بل قولوا: تنظيف الجسد الفلسطيني من اللاهثين خلف أضاليل الاحتلال، أولئك المحنطين في كراسيهم، والذين كانوا السبب المباشر للانقسام !.
ولا تقولوا: إنهاء الانقسام، بل قولوا: إن القاسم المشترك الذي نلتقي عليه هو العودة بشباب الوطن فلسطين إلى روحهم القتالية التي دفنها في مقاطعة رام الله محمود عباس، وأهال عليها تراب المانحين، وأقعد جميع المتكسبين مقعد المنتظر حتى الدمار الأخير.
لا تقولوا مصالحة وإنهاء الانقسام قبل أن تقرءوا ما كتبه "بانجمين بارت"، الذي عمل مراسلا لصحيفة «لوموند» الفرنسية في رام الله لعشر سنوات، وأصدر كتابة "حلم في رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني" يقدم بالوثائق والشهادات الحية، والمقابلات والأرقام صورة مفصلة، ودقيقة، ومثيرة، وصادمة للأوضاع السياسة في الأراضي المحتلة.
يتحدث الكاتب "بارت" عن طبقات استحدثت، وخطط لسلام اقتصادي، لإطالة أمد الاحتلال، وتحسين صورته، وعن مناضلين ومثقفين تخلوا عن المبادئ. من أجل أوهام عامة، ومكاسب خاصة؛ ففي الوقت الذي تتعرض فيه عاصمة السراب الفلسطيني لاقتحامات الاحتلال الليلية، ومحاصرتها بالمستوطنات والحواجز، تحاول الظهور بمظهر الحياة الطبيعية، فمنذ عام 2007، تفتتح حانة جديدة أو مطعم عصري كل ثلاثة أشهر، ومن هذه المطاعم من يحاكي الأناقة الباريسية، أو السحر اللاتيني. وهذا هو الزبد الذي يطفو على وجه المدينة، التي يوجد فيها عدة مخيمات للاجئين، والتي يزيد فيها الفقراء فقرا، في حين تتكون فيها طبقات سريعة الثراء، بقرارات فوقية، ترى بوجود مثل هذه الطبقات ضرورة لسلام من نوع خاص، والمقصود في الواقع سلام الاحتلال، وجعله احتلالا مقبولا ورخيصا، بل مربحا، فكل تدفق لأموال مانحة يصب أغلبه في خزانة الاحتلال، الذي يحظى بالتدليل
وينقل المؤلف عن دبلوماسي فرنسي يتردد كثيراً على المقاطعة في رام الله أنه قال: إن محمود عباس يشبه قائم مقام أكثر منه رئيسا، وأن السلطة الحقيقية في الضفة الغربية هي لإدارة الاحتلال في مستوطنة بيت إيل على مشارف رام الله.
ويضيف المؤلف: إن المساعدات الدولية هي صفقات تجارية، أغلبها مربح جدا، يستفيد منها الكثيرون كالمتعهدين، ووكالات التنمية الخاصة، وشخصيات سياسية وأكاديمية ومؤسسات محلية، ومنظمات غير حكومية، ومشرفين على مشروع تنمية، ومستشارين سياسيين في منظمة دولية أو أساتذة في جامعات يتقاضون معاش مستشار في القطاع الخاص.
ولم تسلم النخب المثقفة التي كانت جاهزة لبيع خبراتها، فسارعت إلى تأسيس منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، ولدراسة الديمقراطية، أو لتعزيز دور المرأة، وكلها مواضيع تم صياغتها استجابة لرغبة المانحين، لتدخل هذه النخبة المثقفة في مسار تغريب يتيح لها سهولة أكبر للحركة الدولية وزيادة للكسب
لقد تشكلت من كل أولئك طبقة أرستقراطية تتركز في حي الطيرة غرب رام الله، وتحظى بدعم المانحين؛ الذين كانوا مقتنعين بأن ظهور طبقة وسطى عليا، حريصة على رغد عيشها، يساهم في استقرار السلطة، وبالتالي حل النزاع، ولكن ما يقال خلف الكواليس يؤكد أنه لا يوجد قناعة بحل النزاع، وإنما إيجاد أرضية لإطالة أمد الاحتمال أكثر من اللازم.
يضيف المؤلف: «بعد انطلاق مسيرة السلام، سنة 1993، تم إدماج معظم شباب الانتفاضة الأولى في دوائر الأمن التابعة للنظام الجديد. في نهاية السنوات تَحَوّل بعض مقاتلي الانتفاضة الثانية إلى حراس في المتاجر أو الفنادق ذات الخمسة نجوم. وتحول العطاء الثوري إلى سلاح يدافع عن القطاع الخاص، والمصالح الضيقة.
فأين شباب فتح ورجالها الشرفاء من هؤلاء المنتفعين النافعين للاحتلال ؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت