لايستطيع أحد معرفة ماالذي صنعه الزعماء والساسة العرب وأيضا بعض قادة الدول الإسلامية والأجانب المتضامنين مع قضية الشعب الفلسطيني وإن كان لبعضهم غايات انسانية محظة وفق التقديرات الموضوعية ، جراء زياراتهم المتكررة إلى قطاع غزة المحاصر من قبل سلطات الإحتلال غير التقاط الصور التذكارية وتخليص الضمير من وجع العجز الذي أصاب النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي حكومات ومؤسسات وكذلك منظمات حقوقية وإنسانية وأفراد يبحثون عن الشهرة في أماكن التوتر بعد اعتزالهم الحياة السياسية ، يأتي في مقدمة هؤلاء الزائرين الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني الذي سلّم مقاليد حكم الإمارة قبل بضعة أيام لنجله الثاني تميم بن حمد أل ثاني في خطوة وصفها قادة حماس الذين يديرون شؤون القطاع بالخطوة الفريدة من نوعها حتى دعا السيد اسماعيل هنية إلى تدريس هذه الظاهرة الكريمة للأجيال القادمة على اعتبار ممارسة "الديمقراطية التوريثية" نموذج مستنبط لم يحصل من قبل ، ثمة من إصابه الحيرة إن كان الرجل يعي مايقول من باب النفاق للعهد الجديد للحصول على مكان أو ضمان التمويل المالي لحالته التنظيمية في السياسة القطرية للأمير الشاب ،أم أنه يأخذ الأمر على محمل الجدّ وتلك مصيبة لاتنّم سوى عن اضمحلال الرؤيا الصائبة لأبجدية الأشياء ونظنّها ليست كذلك، خلاصة القول لم تتمخض هذه الزيارات الإستعراضية عن نتائج ذات جدوى تنهي الحصار الظالم المفروض عليهم وترفع المعاناة عن كاهل المواطنين الذين يدفعون ثمن السياسات الخاطئة عدا عن تعميق الأزمة الداخلية والإصرار على إطالة أمد الإنقسام الذي يأخذ طريقه النهائي نحو الإنفصال التام كما يظهره سلوك القائمين على الأمور في القطاع المنكوب.
في خطوةٍ ليست مفاجئة ينوي رئيس الوزراء التركي رجا الطيب أردوغان زيارة قطاع غزة مطلع يوليو المقبل حسب مصادر تركيه بعد أن تم تأجيلها عدة مرات بناءً على طلب رسمي فلسطيني من أجل إتاحة الفرصة لتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة كفاءات مهنية موحدة ذات مهام محددّة تعدّ لإجراء انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطنيفي الشتات حيث أمكن ذلك ، لكن الزيارة إن حصلت تأتي ولم يتم جسرالهوة بين الأطراف المختلفة نتيجة المماطلة وخلق الذرائع وأيضاً الخلافات الداخلية التي تعصف حركة حماس إثر التحولات التي تشهدها المنطقة العربية والإقليمية وانتظار ما ستؤول اليها الأوضاع القادمة ، كما أن قراءة الزيارة تثير شيئاً من الغرابة والتساؤل حول توقيتها بعد اندلاع الإحتجاجات الشعبية العارمة على خلفية تحويل متنزّه ساحة تقسيم في اسطنبول إلى متحف وطني ثم امتدّت بعد ذلك كي تشمل العاصمة التركية أنقره وبقية المدن الأخرى مايعني أن الأزمة تتعدى مسألة الحديقة الترفيهية إلى وجود احتقان داخلي قد يتطوّر باتجاهات مماثلة لما تشهده المنطقة العربية خاصةً أن الشعارات التي رددّها المتظاهرون كانت تنادي برحيل أردوغان عن السلطة وعودة الحياة الديمقراطية الى المجتمع التركي ،على كل الأحوال فإن الزيارة ربما تندرج في إطار تحويل الأنظار عن الأزمة الداخلية باتجاه القطاع المحاصر لما له من أهمية تلامس مشاعر المواطن التركي الذي قدم الضحايا على متن سفينة مرمرة التي كانت تبحر عبر المتوسط واعترضتها البوارج الحربية التابعة لقوات الإحتلال قبل الوصول الى شواطيء غزة محملةً بالمساعدات الغذائية والطبية، إذن الزيارة لا علاقة لها بدفع مسار المصالحة الفلسطينية إلى الأمام لأنها لم تأتي عبر البوابة الشرعية المتعارف عليها بل تعيد من جديد الجدل المحتدم حول التمثيل الفلسطيني غير القابل للقسمة المعترف به عربياً ودولياً مهما حاولت بعض الجهات التي تقف وراءه النيل من هذه الحقيقة الراسخة رسو جبال الكرمل وبطاح الجليل وتساهم أيضا بتعميق الشرخ القائم وإطالة أمده ،فضلا عن الترتيبات التي تحتاج إلى موافقات إسرائيلية مسبقة وتأمين لوجستي مصري للزيارة المرتقبة الأمر الذي يثير الريبة عن الأهداف الحقيقية لهذه الزيارة التي تتزامن مع الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي للبحث عن سبل إحياء عملية المفاوضات العبثية المتوقفة منذ ثلاث سنوات دون اخذ المصالح الفلسطينية بعين الإعتبار وتبنّي وجهة النظر الإسرائيلية التي استقبلت كيري بالمزيد من عطاءات البناء ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وبعض التصريحات الخادعة المتناقضة عن التزامها بحل الدولتين القائم على الأولوية الأمنية لكيان الإحتلال ،ويبدو أن الوزير كيري يحاول الوصول إلى مقاربه التفافية على المحددّات الفلسطينية المعلنة عنها لإستئناف العملية السياسية والخروج بإنجاز لايبتعد كثيراً عن مبادرة حسن نوايا كما يحلو لحكومة المستوطنين تسميتها لذّر الرماد في العيون مع بعض التعديلات الطفيفة والتي هي بمثابة استحقاقات فلسطينية طبيعية تنكرت لها سلطات الإحتلال وباتت توظفّها لأغراض تفاوضية على أنها تقديم تنازلات مؤلمة ، أو تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية فشل المساعي الأمريكية مايؤكد تواطؤ الإدارة الأمريكية ومؤسساتها التشريعية من خلال الضغوطات الهائلة على القيادة الفلسطينية للقبول بالإملاءات والإشتراطات الإحتلالية من جهة واطلاق العنان لحكومة الإحتلال لتنفيذ مشروعها الإستعماري الإستيطاني على ماتبقى من الأراضي الفلسطينية من جهةٍ أخرى ، في ظل وجود بدائل محليّة مستعدّة للذهاب بعيداً مع ماهو أقل بكثير من الحد الأدنى المقبول وطنياً سبق لها وأن قدمت عروض وأوراق اعتماد للإدارة الأمريكية ولا زالت المساعي جارية عبر الوسطاء العرب وغير العرب من الأوروبيين الذين يتفاوضوا سراً على رفع حركة حماس من قائمة مايسمى الإرهاب كما صرح أحد المسؤولين المشاركين بهذه المفاوضات بينهم أيضاً السيد أردوغان نفسه لأسباب أيديولوجية أضحت معروفة للجميع ، مقابل الإحتفاظ بالسلطة بأي ثمنٍ كان حتى لو كانت على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية .
إن الرد الفلسطيني المطلوب على تجاوز الشرعية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية ينبغي أن يتخطى حدود المجاملات لأيٍ كان مهما علي شأنه وبالتالي لابد من الإلتفاف الوطني الشامل حول رفض مساعي الإنتقاص من مكانة التمثيل الفلسطيني التي فشلت دائما بوحدة ويقظة الشعب الفلسطيني لذلك يتوجّب اتخاذ خطوات جريئة عاجلة بينها دعوة المجلس المركزي لمناقشة سـبل التئام دورة للمجلس الوطني الفلسطيني لرسم سياسة فلسطينية استراتيجية تتلائم مع متطلبات الظروف الراهنة وتستجيب للتحديات الصعاب من أجل انجاز مرحلة التحررالوطني بالتوازي مع انجازالمهمات الديمقراطية وتفعيل أطر منظمة التحرير الفلسطينية وتجديد مؤسساتها تخرجها من حالة الإرتهان للإنقسام الأسوّد وضغوطات الدول الكبرى ومن يدور في فلكها ، لقد شكّل الشعب الفلسطيني على الدوام الضمانة الأكيدة الأكثر نجاعةً لمسار الحركة الوطنية في كافة المفاصل العصيبة التي واجهته ، فهل نحن قادرون على استعادة ثقته وتثوير طاقاته الكامنة من جديد كي يصنع الإنتصار الحقيقي على غطرسة القوة الغاشمة والطامعين بالمغانم على حساب قضايا الأخرين ؟ سؤال برسم الإجابة الشافية التي ينتظرها المخلصون لقضية الشعب الفلسطيني العادله في كل مكان ...............................
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت