لم يكن أكثر المتفائلين في الساحة السياسية , يعتقد أن ينتهى حكم جماعة"الاخوان المسلمين " بهذه السرعة , بعد عام من تولي ممثل الاخوان الدكتور محمد مرسي رئاسة الدولة المصرية , وبعد أربعة أيام فقط من دعوة حركة " تمرد " الشبابية , للاحتشاد في ميادين مصر بالملايين اعتبارا من يوم الثلاثين من مايو , للدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة , بعدما وصلت البلاد إلى حالة من التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي , بسبب ممارسات الحاكمين منذ عام , وتراكم الأخطاء القاتلة التي مارسها الرئيس الاخواني , بفعل توجيهات مكتب الارشاد في الجماعة , وبفعل خطاب الاستعلاء والإقصاء , وممارسات أخونة مؤسسات الدولة , وهو ما أثار تذمر فئات متعددة في الشارع المصري , سواء كانت قوى سياسية أو اجتماعية , فقدا بدا أن الجماعة تسارع الخطى من أجل كسب الوقت للسيطرة على كافة مفاصل الدولة , من خلال خطة " الأخونة " , والتي بدأت تتسلل حتى إلى وسائل الاعلام الرسمية في الصحف القومية وهيئة الاذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة , من خلال تعيين رؤساء لهذه المؤسسات , وصولا إلى وزارة الداخلية , والقوات المسلحة , وهو ما رأت فيه قيادة الجيش المصري , هذه المؤسسة العريقة , أن الوضع وصل إلى " الخط الأحمر " , معلنة وقوفها إلى جانب خيارات الشعب المصري , الذي نزل في كل ميادين المدن المصرية مطالبا باستعادة الثورة , التي فجرها شباب مصر في الخامس والعشرين من يناير 2011 , وسرقت منه في لحظة الفرح بإزاحة الرئيس السابق محمد حسني مبارك ونظامه الفاسد , وبعد أن وضع الشعب المصري بين خيارين , أحلاهما مر , بعد أن أفرزت نتيجة الانتخابات الرئاسية في مرحلتها الأولى , وصول كل من مرشح الاخوان الدكتور محمد مرسي , والمرشح العسكري القريب من النظام البائد الفريق أحمد شفيق , فكان الخيار الأقل مرارة وضررا , في رأي الغالبية الضئيلة من الشعب , أن يتم انتخاب مرسي على حساب شفيق , وساهمت في ذلك قوى شبابية وثورية , بل ويسارية وعلمانية في فوز مرسي بالرئاسة , لكن سرعان ما استفاقت هذه القوى على " الورطة " التي وقعت فيها , بعد ما شاهدت الممارسات الفردية والاستعلائية والديكتاتورية , التي بدأ يمارسها النظام منذ اليوم الأول بدءأ بتشكيل الحكومة , عندما جاء برئيس للحكومة ليس لديه أي خبرة سياسية أو إدارية , وكل مؤهلاته أنه من الاخوان المسلمين أو مقربا منهم على أقل تقدير, وكذلك باقي الوزراء الذين تفاقمت في عهدهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية , فكانت أزمات البنزين والسولار والغاز , وطوابير الخبز لفقراء مص الذين استزادوا فقرا , بعد تدهور قيمة الجنيه المصري , بسبب غياب أي خطة اقتصادية لرفع مستوى المعيشة للمواطن المصري , الذي بدأ يعاني حتى من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة , رغم أن مصر تزود سبع دول عربية بالكهرباء ضمن الربط السباعي , هذا إلى جانب فقدان الأمن للمواطن والوطن , وظهرت عصابات السرقة والقتل والترويع للمواطنين في موجة ما تسمى " البلطجية " , وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير الأحداث الخطيرة التي طالت حتى قوات الأمن والقوات المسلحة , بعد عملية قتل 16 ضابطا وجنديا في سيناء , من طرف جماعات " إسلاموية " متطرفة , وكذلك عملية اختطاف سبعة جنود من حرس الحدود , ثم إطلاق سراحهم بعد حوالي أسبوع دون التمكن من الوصول لخاطفيهم أو القضاء عليهم أو اعتقالهم , حتى باتت الاشاعات والأقاويل تتحدث عن مسرحية , افتعلها النظام الحاكم من أجل كسر شوكة أجهزة الأمن والقوات المسلحة , والكل يتندر بمقولة الرئيس المعزول محمد مرسي " نريد الحفاظ على أرواح المخطوفين والخاطفين " , بادعاء أنهم جميعا أبناء مصر , فكيف يكون رجل الأمن المدافع عن أمن الوطن والمواطن, متساويا مع الخاطف والقاتل المعبأ بأفكار غريبة , محملة بالكراهية والحقد و" الارهاب ".
وقد اعترف الرئيس نفسه في أكثر من مناسبة , بأنه ارتكب أخطاء , وأنه مستعد لاستدراكها وتصحيحها , ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان , فكان الاعلان الدستوري " الكارثي" , ومعاداة القضاء واستقلاله , بعد عزل النائب العام وتعيين نائب مقرب من الاخوان , وتقليص دور المحكمة الدستورية , بل ومحاصرتها ومنعها من إصدار قرارات مصيرية , كانت من الممكن أن تصلح ما قامت به القيادة السياسية من أخطاء , وهكذا كان تراكم تلك الممارسات وهذه الأخطاء , مقدمة للحراك الشعبي الذي قاده شباب مصر , وانضمت إليه بعد ذلك كل قوى الشعب المتضررة من حكم الاخوان , واضطرت القوات المسلحة وجيش مصر العظيم , وقادته الوطنيون , إلى الاعلان بالوقوف إلى جانب ثورة الشعب في الثلاثين من مايو , والتي تمكنت من الانتصار وإنهاء حكم الاخوان في أربعة أيام , بعد أن شارك الاخوان أنفسهم في هذه النهاية الدراماتيكية , بفعل الخطاب الانتحاري الذي لجأت إليه الجماعة , بعد رفضها للأخر , ورفضها الشراكة السياسية , والاستقواء بالوهم بأن لديهم الأغلبية والشرعية , التي جاءت بهم عبر صندوق الانتخابات , وكأن الديمقراطية في رأيهم فقط هي صندوق الانتخابات فقط .
اليوم مصر أمام مفترق طرق , بعد أن استعادت الثورة بريقها واستمرارها , وأعادت أجهزة الأمن القوات المسلحة هيبتها , التي كانت في فترة سابق تبدو وكأنها تهتز , والمطلوب من جميع أبناء مصر الالتفاف حول قواتهم المسلحة حامية الوطن والمواطن , من أجل التعمير والبناء , وعدم الالتفات للأصوات التي تنادي بالتدمير والفناء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت