إن انتقال مصر إلى التحول السياسي الأخير قد أعاد ارث ستين عاما من حكم العسكر المستمر للبلاد ، وذلك تبعا لثورة يوليو عام 1952 ليؤكد الحقيقة القائلة بأن الجيش والشعب يد واحدة ، والتي خلدتها خطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث حظى الجيش المصري على مر الزمن والعصور بمكانة عظيمة ، واحترام شعبي ودولي كبيرين لتاريخه العريق ودوره الوطني داخليا وإقليميا وحتى عالميا ، فعلى مدار التاريخ المصري لم يكن الجيش مجرد أداة للحروب ، بل كانت المؤسسة العسكرية المصرية نواة المجتمع المصري التي تنصهر بها كل الخلافات الفكرية والدينية والجغرافية ، محققة الإندماج الوطني واليد المصرية القوية المتحدة التي حوت امتدادات إقليمية وقومية وعربية ، وذلك خصوصا في ظل اتصال العسكر بالسياسة منذ تلك الفترة حتى ثورة 25 يناير 2011 كون أن جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر قدموا من المؤسسة العسكرية .
لقد مهدت ثورة 25 يناير وعقب استدعاء الجيش لتولى إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية إلى فتح الطريق مجددا أمام عودة الجيش لاحتلال صدارة المشهد السياسي ، وذلك لمكانة الجيش السامية في أعين الشعب المصري وتطلع هذا الشعب إلى تحقيق الأمن والاستقرار؛ فقد شكل إزاحة الرئيس السابق مبارك لمدة ثلاثين عاما وتنحيه يوم 11 فبراير 2011 ، و عزل خلفه الرئيس المخلوع محمد مرسي يوم 3 يوليو 2013 والذي مارس الحكم لمدة عام واحد فقط ، بسبب ضغط الاحتجاجات الشعبية وبمساندة المؤسسة العسكرية المصرية لهؤلاء الثوار ضد الرئيسين السابقين ، إحدى أهم العوامل الذي ساعد الجيش المصري في صياغة ورسم السياسة المصرية المستقبلية بعد خلع الرئيسين السابقين .
إن العديد من التحليلات وصفت المؤسسة العسكرية المصرية بأنها الضامن الوحيد للديمقراطية والاستقرار ، وأنها قادرة على قيادة البلاد إلى بر الأمان ، ليعود أيضا هذا المشهد من جديد أثناء اندلاع ثورة 30 يونيو ، وخروج الشعب المصري عن بكرة أبيه ليتوج هذا الحشد العظيم بأنه حشد تاريخي ومشهد استثنائي في تاريخ مصر ، ليسقط حكم المرشد للبلاد ويطالب بعودة حكم العسكر والذي استشهد به الثوار في هتافاتهم في الميادين يسقط حكم المرشد - ويرجع حكم العسكر والجيش والشعب يد واحدة وكذلك تعالي الأصوات انزل ياسيسي انتا رئيسي .
ومنذ اللحظة الأولى لخروج هذا الشعب الثائر إلى كافة ميادين وشوارع جمهورية مصر العربية أكدت القوات المسلحة بوقوفها إلى جانب شعبها وتأكيدها على أهمية تحقيق مطالبها ، وإعطاء الفرصة للرئيس المخلوع محمد مرسي بأن يغلب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب ، وأن يستمع للهيب الميادين الملتحفة بالسماء والمفترشة بالأرض ، وتأكيد المؤسسة العسكرية لأكثر من مرة على تحقيق تلك المطالب مرارا وتكرارا بأن القيادة العامة للقوات المسلحة لايمكن لها أن تصم أذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء الجماهير، ولكن دون جدوى واهتمام للجموع الغفيرة والشعب الثائر في كل أرجاء الوطن من قبل سلطة المرشد ، والتي استدعت المؤسسة العسكرية دورها الوطني لمخاطبة الشعب في رسائلها المتكررة الصادرة من وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي والذي يعتبر هذا الرجل بكل معاني الكلمة بأنه رجل دولة.......
وجاءت اللحظة التاريخية يوم 3 يوليو حيث شهد ذلك اليوم حراكا مكثفا من الجيش المصري لإنهاء هذه الأزمة السياسية وحسمها ، رغم كل الضغوطات والتهديدات التي كانت على كاهل الفريق السيسي ؛ ولكنه وانطلاقا من العقيدة العسكرية المصرية الذي تربى فيها ، قد تخلى عن جميع الضغوطات وأهمها الأمريكية واتخذت القيادة العامة قرارها النهائي ، وذلك باتخاذ القرار الصائب بالوقوف بجانب الشعب وتأكيده على أن الشرعية الشعبية الثورية هي الأقوى من الشرعية الدستورية -- الذي كان يحتمي بها حكم المرشد -- فأعاد نشر قواته في القاهرة وتكثيفها قرب المواقع الحيوية ، كالقصور الرئاسية والهيئات الكبرى ومبنى الإذاعة والتليفزيون والوزارات ،إعلانا بأن الأمور تتجه نحو حسم الأمر و حسم الصراع المحتدم بين النظام السابق المخلوع والقوى الثورية ، فقد اتخذت قيادة الجيش الموقف الأكثر ملائمة وسلامة ، عندما انحازت للقوى الثورية ، بينما كان بإمكانه اختيار مسارات أخرى ، وألقى بيانه بالتوافق مع القوى السياسية جميعا بلا استثناء وأذاع إلى الشعب في ميادينه بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بعزل محمد مرسي ، وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت ، و إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية لحين إنتخاب رئيساً جديداً . والذي قوبل بفرحة عارمة من قبل الشعب والذي اثبت الوفاء لرفقاء السلاح من الجذور الأخلاقية المتأصلة في الجيش المصري العظيم ، وأن رفقة السلاح للجندي المصري الأصيل لها اعتبارها الذي يعلو علي كل الظروف ، ليرسم الخطة المستقبلية للسياسة المصرية وخارطة الطريق للخروج من الأزمة .
بالنهاية يمكن أن نجزم بان الجيش المصري العظيم قد حقق وتعهد لثوار وشباب وشعب مصر كل ما طلبوه أو أن المؤسسة العسكرية المصرية كفلت بنفسها تحقيق آمال الشعب وتحقيق مطالبه ، بدءا من التحفظ أو إعتقال المفسدين وحماية الثورة وتصحيح مسارها ورعايتها ، حيث أن الشعب المصري قد وصل لدرجة عالية من الثقة والاقتناع بأن مصر يجب أن لا يحكمها في الفترة القادمة سوى رجل عسكري .. ورجل دولة حقيقي وتعود الصبغة العسكرية لرئيس الجمهورية وأن المؤسسة العسكرية لعبت تلك اللعبة بإحترافية تامة .. لينتهي زمن الديمقراطية المدنية وأخونة الدولة ، ليزول مرّة وإلى الأبد وهو ما يؤكد أن الجيش والشعب سيخطوان معا نحو مستقبل مشرق جديد حتى تصل مصر للوضع والمكانة التي تستحقها ..
وياحبيبتي يامصر
حفظ الله مصر شعبها وجيشها الأبى العظيم
بقلم الباحث : أ. محمد سمير الجبور
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت