أعتقد بأنه الصواب بأن سياسة مصر اتجاه الأحداث الأخيرة أصبحت في النضوج بالرغم من أن الوقت ما زال مبكرا للقول بأن الإسلام السياسي قد انتهى، فإن الوقت ملائم لكي نقول إن الكتلة السياسية غير الإسلامية والمعتدلة بدأت تدفع الأحزاب الإسلامية، وإن المواطنين في كافة أنحاء المنطقة يشعرون بنفاد الصبر وبالتمكين.
أن فكرة الجيش المصري تدخل لخلع حكومة منتخبة في مصر تضع عبئا كبيرا على كاهل الجيش، ومن شجعه على تلك الخطوة، وتفرض عليه أن يتصرف على نحو أكثر ديمقراطية، مؤكدا "أنه لفهم المشهد المصري وحركة المعارضة الشعبية التي خرجت ضد جماعة الإخوان المسلمين يجب تجنب استخدام مفردات سياسية، مثل "هل كان انقلابا عسكريا"، "هل كانت ثورة شعبية"، والتركيز على لغة القانون، حيث أن مصطلح "السرقة" كان المصطلح السائد بين الجماهير المصرية خلال الفترة السابقة على 30 يونيو.
أنه يجب أن نتذكر أن مرسى فاز بهامش محدود حيث فاز بنسبة 51% من الأصوات بعدما أقنع العديد من الفئات أنه سيكون رئيسا لكل المصريين، وأنه سيركز على الاقتصاد، لافتا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن لتستطيع أن تفوز بتلك النسبة بالاعتماد على قاعدتها الشعبية فقط، مشيرا إلى أن العديد من النخب المدنية فضلت التصويت لمرسى لأنهم كانوا يرفضون قطعا التصويت لخصمه، الفريق أحمد شفيق.
أن الصورة اتضحت تدريجيا، وأن مرسى كان يستحوذ على المزيد من السلطات كلما سنحت له الفرصة، وأن العديد من الذين صوتوا له سواء من الإسلاميين أو غير الإسلاميين شعروا بأنهم تعرضوا للخديعة، وأن مرسى وحزبه سرقوا فرصتهم التي كانوا يتوقون لها من أجل التحول الديمقراطي الحقيقي في مصر، وشعر الشباب الذين حركوا ثورة يناير أن ثورتهم سرقت وأن جماعة الإخوان المسلمين تسعى للتمكين بدل من إصلاح الاقتصاد، وتشكيل حكومة أكثر تمثيلا لأطياف الشعب المصري.
وأضيف ، أن الفقراء يرون أن مرسى بدلا من أن يوفر لهم الخبز وفرص العمل، جعلهم يصطفون في طوابير الغاز والكهرباء، كما لم يثق المسيحيون أبدا في مرسى وشعروا بأنه يغض الطرف عن الاعتداء عليهم، لافتا إلى أن ذلك الإحساس المتفشي بين الناس بأنهم سرقوا، هو ما دفع بتلك الجماهير العريضة إلى الشوارع وهو ما يجعل تصريح الرئيس مرسى الأخير الذي قال فيه "لقد سرقت الثورة منا" يبدو مفارقا، فقد كان اللص يتصل بالنجدة، ولكن الجيش المصري لم يستجيب لنداءاته، واستجاب لنداء قطاع واسع من الجماهير واحتجز مرسى .
أن المؤرخين سوف تصيبهم الحيرة تجاه السبب الذي دفع الإخوان للتصرف بمثل تلك الحماقة، ولكني أشير إلى أنني اعتقد أن ذلك كان محتوما ، نظرا لطبيعة الحزب والترتيبية الضيقة والرؤية التآمرية للحياة السياسية التي نشأت عن عملهم لأعوام طويلة كتنظيم سرى.
وأؤكد أن ذلك لا يعنى أن النظام السابق والأجهزة الأمنية لم تبذل كل طاقاتها للمساعدة على إخفاق مرسى، ولكن ذلك يعنى أن مرسى سهل مهمتهم بإثارة الشعب المصري ضده .
وأعتقد بأنه الصواب أن الولايات المتحدة لعبت دور المتفرج في هذا الحدث، إذ أن جماعة الإخوان المسلمين اشترت رضاها بنفس العملة التي كان يستخدمها نظام مبارك، وهى اعتقال الإرهابيين المطلوبين أمريكيا وعدم الوقوف ضد مصالح إسرائيل، في مقابل أن تتركهم أمريكا يفعلون ما يريدون بشعبهم .
أن مصر لن تستقر أبدا ما لم يقدم الجيش حكومة تمثل كافة أطياف القوى السياسية فى البلاد، وهو ما يجب أن يتضمن حزبا معتدلا من الإخوان المسلمين والتي ربما تستطيع الحصول على نحو 25% من التصويت الشعبي، ولكني أ تساءل عما إذا كان الجيش يعتزم السماح بمشاركة الإخوان في الحكومة، رغم أنه اعتقل قياداتها، وعما إذا كان الجيش مستعد للإصلاح في ظل وجود شبكة من المصالح الاقتصادية الهائلة التي يدافع عنها، وعما إذا كان الجيش سيتمكن من تحقيق إجماع واسع حول خارطة الطريق التي تتضمن إصلاحات اقتصادية وأمنية وسياسية تساعد مصر على البدء في التنمية، والخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة .
الكاتب : أ. عودة عابد، باحث في العلوم السياسية والدولية ..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت