كانت المملكة العربية السعودية السباقة اقليمياً ودولياً ، ومن ثم تلتها دولة الإمارت والأردن بتهنئة مصر على التغيير الذي حصل فيها وإنتقالها الى مرحلة جديدة يؤمل لها ان تكون افضل من سابقتها وان تحقق كل ما يصبو اليه الشعب المصري والذي من اجله قام بثورته الثانية خلال عامين .ففي 25 يناير / كانون الثاني 2011 اندلعت الثورة الأولى التي اطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك في فبراير / شباط من العام نفسه وأدار العسكريون شؤون البلاد الى حين انتخاب محمد مرسي في يونيو/ حزيران 2012 رئيس للبلاد لتتوج مصر بذلك مرحلة جديدة من المسار الديمقراطي .ولكن تبين ان حركة " الأخوان المسلمين " التي اوصلت احد قادتها الى سدة الرئاسة ، والمتعطشة للسلطة منذ اكثر من ثمانين عاماً ، لم تدرك انها لا تستطيع ان تستأثر بالحكم وأن تلغي دور التيارات الوطنية والقومية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني التي كان لها الفضل في اندلاع الثورة الأولى ، كما لم تدرك عدم قدرتها على تهميش دور الجيش الذي كان ولا زال الضامن لوحدة البلاد .ولقد ظن " الأخوان " انهم من خلال تنسيقهم مع اقرانهم في تونس من خلال "حركة النهضة"،وفي غزة من خلال حركة "حماس" ، وفي ليبيا من خلال المجموعات السلفية المتنوعة ،وفي تركيا من خلال "حزب العدالة والتنمية" ان يشكلوا محوراً اقليمياً مدعوماً مالياً من بعض الدول العربية وسياسياً من بعض الدول الغربية وشعبيا من بعض العلماء الذين يتزعمون اتحادات وحركات دينية ، وأن يباشروا تنفيذ مشروعهم السياسي تحت شعار اقامة "نظام اسلامي معتدل " كمقدمة قابلة للتعميم على اكثر من دولة في بقاع العالم .ولكن ممارسة السلطة ليست مجرد بناء أحلاف ورفع شعارات بل هي عمل دؤوب من اجل تحقيق امال الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم وهذا ما غفل عنه الرئيس محمد مرسي الأمر الذي اوقعه بالكثير من الأخطاء ومنها :انشغاله بكيفية " ترويض " القوات المسلحة وجعلها تابعة لأمرته وعدم السماح لها بالنيل ممن اعتدى عليها كما حصل في سيناء من قبل تنظيمات اصولية متشددة . الزام المصريين بتعديلات دستورية تتنافى في بعض موادها مع حقيقة الممارسة الديمقراطية . توظيف امكانيات الدولة في خدمة " الأخوان " في الإنتخابات البرلمانية . التعاطي بعدم المسؤولية مع الملف المائي مع اثيوبيا . اعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري علماً ان هذه العلاقات تكون اصلاً بين دول وليس بين انظمة . تعيين قادة " الأخوان " في اهم مواقع الدولة . عدم تحقيق أي تقدم فيما يخص معاناة المصريين الأقتصادية والأجتماعية والتربوية والصحية بدليل ان النمو خلال عهد مرسي انخفض من 5 الى 2 % ، ووصل العجز في الموازنة الى 11 % ، والدين العام الى 235 مليار دولار ، ولم يجد أي بداية حل ل 25 % من الشعب المصري يعيشون تحت خط الفقر ولا للبطالة التي ارتفعت من 9 الى 14 % ، كما لم يولي أي اهمية لتعميم المدارس والمستشفيات على المناطق النائية . وبقي قطاع السياحة دون تفعيل رغم اهميته الإنتاجية ، وكذلك الأمر بالنسبة للزراعة والصناعة . وفي ايام مرسي اصبح الناس يقفون بالطابور لساعات طويلة من اجل الحصول بنزين لسياراتهم . لهذه الأسباب خرج الملايين من المصريين الى الشوارع للمطالبة برحيل مرسي معلنين بذلك ثورة على الثورة التي لا بد ان تترك تداعيات على ثورات "الربيع العربي" لأنها تعاني من مثل ما عانته مصر اليوم وخاصة تونس وليبيا .والغريب ان الرئيس مرسي وحتى الساعات الأخيرة كان يرفض تقديم أي تنازلات ويهدد بإستخدام القوة وبالإستعانة بإنصاره لقمع الشارع الأمر الذي دفع بالقوات المسلحة الى أخذ زمام المبادرة ، فأقالت مرسي وأوقفت العمل بالدستور وسلمت السلطة الى رئيس المحكمة الدستورية المستشارعدلي منصور لإدارة شؤون البلاد بمساعدة مجلس انتقالي ريثما يتم تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة .وهكذا انفتحت مصر على مرحلة أخرى لن تكون سهلة لأن التعقيدات الداخلية المصرية كبيرة جداً ، ولأن ردة فعل " الأخوان " قد تكون عنيفة ودموية
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت