بعد الانقلاب الأسود الذي أقدم عليه قادة الجيش المصري ضد الديمقراطية والرئيس المنتخب محمد مرسي كان هناك للإعلام دور بارز ومهم وخطير في تغليف الانقلاب والضغط على رأس الشرعية بالتنحي أو الموافقة على الاستقالة، حيث برزت إجراءات متعددة منها ما هو مخطط ومتفق عليه ومنها ما تدور حوله شبهة التآمر ومنها ما هو إجباري وقسري، وهي كالتالي:
1-
في الساعات الأخيرة أقدم المدعو السيسي على تصوير الجماهير في الشوارع بالملايين ونشر الصور في الإعلام على أنها معارضة لمرسي وهذا كي يراه الرئيس مرسي مباشرة على الهواء ويتراجع عن منصبه ويحبط، ولكنه فشل.
2-
تسليط الضوء من وسائل الإعلام المأجورة والرسمية على ميدان التحرير وفرحة الفلول بعد إعلان الانقلاب وهذا ليراه الرئيس مرسي ويدب الرعب في قلبه ويقتنع بأن الشعب فرح كثيرا بالانقلاب وأنه حجر عثرة وهذا ضغط إضافي عليه، ولكنه فشل.
3-
قطع البث للفضائيات التي من الممكن أن تنقل حالة الغضب والصورة الحقيقية للشارع المصري واعتقال كل القيادات وهذا أيضا إرباك للرئيس مرسي كي تتم الموافقة على خيانة الشعب، حيث تسوق تلك الأفعال على أن مرسي الآن وحيدا وجماعته لا تنتفض والشعب فرح كثيرا وقيادات الإخوان عادوا للسجن وأنت لن تعتقل كونك كنت رئيسا سابقا، وكل هذا التدبير من بصمات المخابرات وأمن الدولة لأن هذا الأسلوب كان متبعا في أقبية سجون سلطة رام الله بحق أبناء حماس من خلال التركيز على وسائل إعلام محددة وبث الشائعات كي ينهار المعتقل لديهم ويقدم اعترافات أو أي شيء، وطبعا أغلب التدريبات لأجهزة فتح كانت على يد أمن الدولة المصري والمخابرات هناك.
4-
موقف لم يحدد بعد هل هو اتفاق أم أوامر أم تجاهل للحدث التاريخي من قبل قناة الجزيرة حيث أنها ولمدة 48 ساعة كاملة ركزت على جماهير الفلول والاحتفالات بالانقلاب وتجاهلت موقف الإخوان والأحرار والشعب، وهذا يحتاج إجابة مقنعة من الجزيرة ولا داعي لتبرير التضييق الأمني حيث أنها تعمل بشكل كبير في قلب الحرب في سوريا دون مشاكل وتنقل وجهة النظر فهل طلب منها التكتيم حتى يراها مرسي وينهار؟!، ولماذا عادت للتركيز على الحقيقة والحق بعد عصر الجمعة؟!
5-
تسليط شخصيات وسفراء للضغط على مرسي بالاستقالة وتصوير حال الشارع على أنه فرح بالانقلاب وأن ما يحدث الآن نهضة وتطور ومرحلة جديدة، وهذا أيضا فشل كثيرا.
ولكن كل هذه الممارسات لم تدم طويلا وذلك بفضل الله أولا ثم جهود الأبطال في الميادين ووسائل الإعلام الحقيقية والصادقة، فكانت أكثر من 10 قنوات تبث الحقيقة وأصوات الجماهير علت كثيرا حتى باتت الحرية باباً تمنى أن يدخله كل مصري، فخرجوا للشوارع ما صفع السيسي والأمريكان وباتت خيارات التراجع واردة.
أعتقد ان الجزيرة عادت للصواب بعد أن وصلت الجماهير لدار الحرس الجمهوري وبات مرسي يسمع الحناجر وهي تقول "اسمع يا سيسي مرسي هو رئيسي" وأصوات إطلاق النار، وهذا جعل خطة التلاعب بمشاعر الرئيس فاشلة وارتفعت المعنويات من جديد وتعززت عقيدة الديمقراطية وخاب من خاب وعاد عن خطئه من عاد كما الجزيرة وغيرها من الشرفاء، بالإضافة إلى أن وكالة "سي إن إن" عادت للتغطية من رابعة العدوية بقوة وغيرها ما يعني أن الحجب كان قرارا من الانقلاب وإلا ماذا يبرر عودة القنوات المهمة للتغطية وكشف الحقيقة؟ ولعل سببا آخر هو بالإضافة للجماهير وعلو صوت الحق تغيرات في اللحظات الأخيرة بشأن المواقف الدولية من الانقلاب.
على كل حال حدث الانقلاب وتكشفت الأقنعة واتضح أن ماكنة الإعلام التي تديرها الإخوان المسلمون والأحرار في العالم كانت قوية على كل الصعد وشبكات التواصل الاجتماعي أثبتت النجاح لثورة الحق، ولعل تنظيم الإخوان المسلمين لقن العالم درسا في الديمقراطية والتنظيم والثورة السلمية، غير أن العالم إذا لم يعمل على نبذ الانقلاب وإعادة مرسي للحكم فإن ذلك سيفتح الأبواب على ثورات مؤجلة كما الأردن ومناطق أخرى بالإضافة إلى انتصارات الثورة السورية، وأعتقد أن أمريكا لن تكون حمقاء لتبقي على خطتها الانقلابية في مصر بأصابع عربية وسيكون لها موقف خلال المرحلة القادمة إلا إذا كتب التاريخ أن تتغير الخريطة السياسية في دول ذكرناها بفعل القهر والظلم والانقلابات التي أطاحت بالديمقراطية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت