ليس من المعتقد بأن أحدا حاول الوصول إلى شباب حركة تمرد والاستماع إليهم أو أخذ رأيهم في عملية الاختيار التي جرت بعد أن تمت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، ونرجو ألا تتكرر التجربة ذاتها عندما استطاعت حركة الإخوان المسلمين أن تقفز على الثورة وتقطف ثمارها، عندما استطاع شباب مصر أن يثوروا على نظام الطاغية حسني مبارك، حيث تمكن الإخوان بحكم ما يتمتعون به من أموال وقيادات وإعلام وفوق هذا وذاك الفكر الديني الذي من خلاله تمكنوا من إيهام البسطاء من الناس انهم ورثة الله على الأرض، السيطرة على البلد.
سوف يستمر الاختلاف بين من يعتقد ان ما جرى في مصر ليس سوى "انقلاب عسكري" على الديمقراطية الوليدة في مصر، خاصة وان الرئيس محمد مرسي إنما أتى من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة، وبين من يعتقد بأن ما حدث في مصر ليس سوى "ثورة شعبية عارمة ثانية" أرادت الجماهير من خلالها تصحيح مسار الثورة التي اقتطفتها لا بل اختطفتها حركة الإخوان المسلمين.
ولسوف يستمر الخلاف بين الفريقين حول من الأكثر أحقية، الشرعية الدستورية التي تحدث عنها الرئيس المخلوع محمد مرسي، وبين الشرعية الثورية أو الشرعية الشعبية التي تتحدث عنها قوى المعارضة.
وبرغم اعتقادنا ان ما جرى في مصر هو ثورة على الإسلام السياسي بشكل عام، حيث تكشفت النوايا الحقيقية لحركة الإخوان المسلمين، تلك النوايا التي تشير إلى رغبة عارمة وجوع شديد للسلطة، ونية لعدم التخلي عنها، وتحويل البلد إلى جزء من الحركة، وأن تعمل الدولة بكامل أركانها وشعبها في خدمة الإخوان، بدلا من ان تكون الحركة في خدمة البلاد، إلا إننا نعتقد بأنه كان لا بد من اخذ الوقت الكافي لاختيار من يقود البلد خلال الفترة الانتقالية.
إن اختيار محمد البرادعي الذي هو في حقيقة الأمر لا يمثل ثقلا كبيرا في الساحة المصرية، ربما يكون احد الأخطاء الكبرى وربما الخطايا التي وقعت فيها جميع القوى التي ناهضت الإخوان المسلمين، خاصة في ظل الماضي القريب للبرادعي الذي يعتبر بدون أدنى شك أميركي الهوى والتبعية، وهو لن يكون أكثر من أداة في يد السياسة الأمريكية الخارجية، ولن يكون مستغربا ان يجر البلد إلى تبعية اكبر مما كان عليه الحال في زمن المخلوع مبارك.
كما ان ليس من المعتقد بأن جماهير مصر وحركة الشباب المصري "تمرد" قد نسيت أو تناست الدور الذي لعبه البرادعي خلال الأزمة العراقية، وما صدر عن الرجل من مواقف أساءت إلى العراق، وكانت من بين الأسباب التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن، لا بل يعتبر البعض ان البرادعي كان من أهم الأسباب التي أدت إلى وصول الأمور في العراق إلى ما وصلت إليه، وهو بهذا شخصية غير محبوبة حتى لا نقول مكروهة على المستوى الشعبي العربي.
كما ويتسائل البعض فيما إذا كان ارتباط مصر خلال العقود الأربعة الماضية وتحويل الجيش المصري من التسلح بالسلاح السوفييتي سابقا إلى الغربي لاحقا، وكل هذه العلاقات التي قامت وتم نسجها بشكل لا يقبل أو عسير الانفصام بين الجيشين الأمريكي والمصري، كما والعلاقة مع دولة الكيان، كانت خلف اختيار البرادعي لهذا المنصب.
إننا نعتقد بأن اختيار محمد البرادعي "حتى وإن كان هو من يقود جبهة الإنقاذ الوطني في مصر"، لن يشكل إضافة أو رافعة قوية "للمعارضة" المصرية، التي استطاعت خلع الرئيس مرسي بمساعدة الجيش، خاصة في ظل الوجود المتواضع لحزب الدستور الذي يقوده، لا بل قد يكون اختياره احد الأسباب الرئيسة التي سوف تعاود إعلاء شأن الإسلاميين بعد ان فقدوا الكثير من شعبيتهم خلال عام من استلامهم للسلطة في هذا البلد، ولن يكون مستغربا ان يؤدي هذا الاختيار إلى فقدان "المعارضة" للكثير من شعبيتها.
ان البعض ينظر إلى اختيار البرادعي لتولي الفترة الانتقالية، مشابه تماما لعملية اختطاف وقطف ثورة 25يناير من قبل حركة الإخوان المسلمين، وعلى ذلك فان الحال لن يكون أكثر إشراقا في مصر بعد انتهاء الفترة الانتقالية، وقد يؤدي هذا الاختيار إلى تشققات في حركة الشباب وقوى المعارضة، تماما كما حصل مع الجماعة الإسلامية و"انفلاش" العديد ممن تحالف معها في بداية الأمر.
نحن هنا لا نحاول التشكيك أو التقليل من أهمية الرجل، ولكنها الأسئلة المشروعة التي من حق أي إنسان عربي ان يسأل، خاصة واننا نعتبر جمهورية مصر العربية هي الدولة القائد والقلب بالنسبة للعالم العربي، ولأننا نخشى على مصر، ونحبها وشعبها فإننا نتسائل.
مصر التي نعرف هي بلد عظيم، وهي كما يقال "ولاٌدة" وفيها من الوجوه والقيادات التي كان يمكن ان تكون أكثر قبولا من السيد البرادعي، وعليه فإننا نتسائل، لماذا يتم اختيار البرادعي دون سواه من الوجوه الكثيرة التي نعلمها ويعلمها الناس في العالم العربي، أم ترى هي الإرادة الأمريكية التي كان الرجل مطواعا لها خلال سنوات عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
7-7-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت