سمعا ً وطاعة .. لو أني لم أكن أشاهد الرئيس أبو مازن مع الرئيس اللبناني لقلت أنه يتحدث مع رئيس أكبر دولة في العالم
أبو مازن يقول وأمام الرئيس اللبناني ميشيل سليمان التالي ..
أما بالنسبة لموضوع السلاح في المخيمات ,
( فعندما تطلبون إخراج هذا السلاح من المخيمات ...
فأنتم تأمرون ونحن نطيعكم وفوراً.)
أيُ مهانة هذه ..!
منذ الراحل الشهيد يا سر عرفات وبعده الرئيس القائم محمود عباس كان قلمي دائماً حاضراً بكل ما تعنيه الكلمة ...
كتبت كثيراً وانتقدت كل ما رأيت أنه يستحق النقد منطلقاً من مبادئي وقناعاتي وحبي لله والوطن .. وكان الغاضبين مني أكثر من الراضيين ...المهم عندي هل الله راض ٍ عني ..!
لم أتعود النفاق وأقول كل ما أقتنع به ولا أنظر حولي ولا خلفي , ولا أنتظر جائزة من أحد
انتقدت الأخ الرئيس أبو مازن ولم أوافق على بعض آراءه , ولكني لم أتذكر يوماًُ أني أسأت إليه , فأنا أحترمه ليس كرئيس فقط , بل لأنه رجل وصاحب موقف ورأي ثابت لم يبدله ولم يغيره منذ أن عرفناه , بينما هناك من عرفناهم يغيرون مواقفهم ومبادئهم حتى مع كل مرحلة لا بل كل عام مرة أو مرتين .
وكم أسعدني أنه يقرأ مقالاتي , وقد قالها أمام جمع كبير في عمان
قال .. ( أنا أقرأ ما تكتب ) وقال لي أحد مسؤولي إعلامه أنه يسأل كل فترة
قائلاً ..... شو أخبار فلان ..ما كتب شيء جديد ..!
الحقيقة أن هذا الأمر جعلني أتنبه وأدقق , فزاد حرصي حتى أني بدأت أنتقي كلماتي , وأصبح المقال عندي أكثر دقة والتزاماً واختصاراً ,
فما رأيته وسمعته من الرئيس قبل أيام يستحق الكتابة والوقوف عند بعض التفاصيل
وهنا أرى من واجبي أن أعلق على هذا الأمر لأنه يستحق ...
أبو مازن وفي زيارة رسمية للبنان والتي أعتقد أنها كانت زيارة متميزة جداً من خلال الاستقبال الذي حظي به واللقائات الرسمية التي شملت كثيراً من المفاصل السياسية في لبنان ومن ثم لقائاته بممثلي المخيمات والفصائل , يمكن أن يقال أنها زيارة تاريخية في وقت والمنطقة تغلي والموت مجانياً في كل الوطن العربي
جائت زيارة الرئس أبو مازن في وقت حرج جدا ً ونحن نشهد هذا الهدير والحريق الذي تشهده المطنقة وخاصة في سوريا وتأثيرها على لبنان
وصل أبو مازن لبنان بعد إنتهاء معركة عدرا في صيدا التي كان مقرراً لها أن تمتد للمخيمات
ولكن الله بلطفه حال دون ذلك ,وأبو مازن بقدرته وحنكته ودرايته وتواصله وأوامره التي كانت فورية للقيادات الميدانية هناك بأن يجنبوا المخيمات وشعبهم كارثة مخطط لها لتدمير ماتبقى من مخيمات
وقد كان ما حصل قبل سنوات في مخيم البارد درساً كبيراً وعظة إتعظ بها الجميع وما زالت آثارها المدمرة ماثلة أمام من شُردوا وهجروا
نعم كان الجميع على قدر المسؤولية مما حال دون التورط والدخول في نفق مظلم يمتد من عين الحلوة إلى كل مخيماتنا في لبنان
وقد سبق كل ذلك قبل عام حين أوفد فريقاً ً برئاسة الدكتور زكريا الاغا إلى سوريا لحماية أبنائه في مخيم اليرموك وكل المخيمات في سوريا
ولربما ما قاله الرئيس أبو مازن عن سلاح المخيمات أغضب بعض الجهات الفلسطينية التي تعتبر السلاح الفلسطيني في المخيمات خط أحمر .
بدون أدنى شك أن ما قاله أبو مازن وبعبارة صريحة ( سمعاً وطاعة ) ربما يفسره البعض أنه نوع من الرضوخ لدرجة الإهانة , وما كان لرئيس أن يقولها لزميل ٍ له ورئيس لدولة صغيرة
مثل هذا الكلام الذي كان يمكنه أن يقوله بعبارة أخرى أقل ضعفاً
ومن الممكن تُستغل هذه العبارة من قبل المتربصين لأضافة جملة مع جمل الإدانة والإتهام للتحريض على الرجل , أكثر ما يعجبني بالرجل أنه يقول كلمته ويؤكد عليها حين يقال له ( ربما خانك التعبير ) فكأني به يقول ..لا لم يخني التعبير فيعيدها ويكررها أكثر من مرة
الحقيقة أوقفتني عبارة الرئيس أبو مازن وراقبته وهو يقولها حتى ملامح وجهه وتعابيرها , أجد الصدق والاصرار وقد فكر في كل كلمة , ( سمعاً وطاعة...)
وبعد دراسة معمقة لتاريخ أبو مازن وسلوكه وتصريحاته وخطاباته والتي كنا نحمل عليه وعلى بعض ٍ مما يقوله أحياناً من أقول لا تعجبنا مثل
( لا مقاومة مسلحة)
وحسب وجهة نظري وما توصلت إليه من قناعة ولو كانت متأخرة ,
فأجد أن أبو مازن وبعد رحيل أبو عمار ..كان الرجل الذي جاء ليس صدفةً , بل جاء بحكم الضرورة ,ولا عجب وقد سمعنا بعض التفاصيل التي جرت قبل مغادرة أبو عمار الوطن وكيف إستدعى رحمه الله أبو مازن رغم ما كان بينهما من خلافات , وقد أكد عليه تحمُل المسؤولية بعده
أبو مازن الذي لم يكن يعجبني في بعض طروحاته , كما لم يعجب الكثيرين ربما لنعومته وهدوءه وانخفاض سقفه و صوته , لأننا تعودنا على من يرفعون السقف ويعلون الصوت ويضربون على الطاولة
بعد سنوات أعترف أني بدأت أتفهم هذا القائد وأدرك حنكته وذكائه ومعرفته لحجمه وحجم سلطته ونفوذه , ودرايته لحجم التامر العالمي على القضية , وكيفية التعامل مع فطاحل لا بل شياطين السياسة في العالم
أبو مازن الذي أخذنا عليه مقولته ( أنا لن أسمح بإنتفاضة مسلحة) كان أكثر وعياً منا جميعاً
وقد دخلنا في عالم جديد تحكمه المصالح والقوة وما عاد للفلسطينيين أي دعم حتى من جيرانه العرب ,
أبو مازن رفض أن يتحمل سيلاً من الدماء الزكية والاف الضحايا من خيرة شباب الوطن الذين تدفعهم العواطف والوطنية , وهو العارف أن العدو يتنتظر اللحظة التي يندفع بها شباب الوطن لفوهات بنادقهم ومدافعهم ليبيد أكبر عدد من شبابنا , خاصة ان لا أحد في العالم عاد آبها بالمجازر التي تُرتكب
وكأن المطلوب تقليص عدد سكان الأرض وكأنهم دجاج أصابه الداء والبلاء
أبو مازن قالها في مؤتمر قمة على ما أعتقد ..قال ..
تفضلوا يا عرب وضعوا خطة من أجل تحرير فلسطين وأنا أولكم وخلفكم
في لبنان قال أبو مازن ...أنتم تأمرون ونحن نطيعكم ....
أبو مازن وفي ما قاله للرئيس اللبناني , أثبت عبقريته وقمه دبلوماسيته في التعامل مع موضوع سلاح المخيمات
أبو مازن يدرك تماماً الوضع اللبناني ويعرف حجم معاناة شعبنا في المخيمات , ولديه تفاصيل القوى المتزاحمة والمدججة بالسلاح في مخيماتنا الفلسطينية , وهو العارف بعشرات التوجهات المتناقضة في الساحة اللبنانية وخاصة تلك الجهات التي تطالب بنزع سلاح حزب الله , وحزب الله كقوة كبرى تحظى بدعم محلي وخارجي وعربي ,
ما الفرق بين قول أبو مازن الذي فحواه نحن على استعداد لتسليم سلاح المخيمات
وما قاله السيد حسن نصر الله ..في أكثر من مناسبة وخلال سنوات ماضية ..!
قال ..أنه على استعداد أن يناقش سلاح حزب الله إذا استطاع الجيش اللبناني أن يسترد عافيه ويتسلح بقدرات دفاعية تؤهله لحماية لبنان
إذا ً ..فما قاله الرئيس أبو مازن ليس بعيداً عن ما قاله نصر الله
فالقيادة اللبنانية الحالية أي قيادة قادمة بحكم الانتخابات ورغم كل الضغوط الخارجية
فإنها لا تستطيع نزع أي سلاح إلا من خلال توافق وطني , وهذا التوافق لا يمكن أن يحصل إلا بعد أن تتغير الظروف المحلية والأقليمية , وبعد أن تكون لبنان بحدودها دولة آمنة مطمئنة من أي تهديد خارجي إسرائيلي
إذا ً سمعا وطاعة ...يا سيادة الرئيس اللبناني
والرئيس اللبناني لا يمكنه أن يأمر بنزع السلاح في المخيمات إلا إذا إطمئن وكان واثقاً بأن المخيمات الفلسطينية أصبحت آمنة مطمئنة , وأن الجيش اللبناني هو الضامن لحماية أبناء أبو مازن في المخيمات ..
هذه المخيمات التي فيها جزء عزيز من شعبنا الفلسطيني المشرد الذي ينتظر العودة .. أعتقد أن أبو مازن وضع خطوط عريضة واضحة وأعاد للمخيمات مكانتها ورصانتها , وأعاد ثقة اللبنانيين بأن سلاح المخيمات ما هو إلا سلاحاً مؤقتا ً فرضته الظروف الطارئة ..على شعب مقهور مشرد ..ينتظر العودة
وبعد إنتهاء الطاريء.... يكون لكل حادث حديث
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت