ساعات معدودة تفصلنا عن صيام شهر رمضان المبارك ، شهر البركة والإحسان ، والعبادة والقرآن ، شهر الرحمة و الغفران ، لكنني توقفت طويلاً وأنا أرى تسابق الناس على شراء ما يحتاجون وما لا يحتاجون ورأيت إزدحام الأسواق وغلاء الأسعار وجشع التجار وحزن الفقراء وعوز المساكين ، رأيت الحزن في عيون أمهات الأٍسرى والدمع في عيون أهالي الشهداء ، فشهر رمضان يذكرنا باللمة الجميلة والعائلة الكبيرة والسهرة المحببة والذكر الكريم ، وقد تساءلت في قرارة نفسي .. لماذا كل هذه الزحمة من الناس على ابتياع الحاجيات في رمضان؟
ولقد توقفت عند الإعلانات الجديدة لمولات جديدة في غزة وفي ظل هذا الحصار المتفاقم في الآونة الأخيرة ، مولات تحوي كل ما لذ وطاب من مختلف أسقاع العالم ، يصاب المتجول في ردهاتها بالدهشة والإستغراب وقد يدفعه للتسائل بكل براءة .. هل نحن في حصار ؟!!!! وهل يتم الإستعداد لشهر رمضان بالطعام وبما لذ وطاب فقط ؟!!
أينما تول وجهك وأينما تذهب في الاسواق الشعبية وبالقرب من ساحة غزة المركزية وعند بائعي الأدوات المنزلية تجد الناس متجمهرون للإطلاع وشراء ما تحويه خزائن البائعين من اوان منزلية غريبة وعجيبة من كل أنحاء العالم المعروفة وغير المعروفة عندنا .. إن إزدحام الناس يدفعك للتساؤل لماذا هذا التهافت؟ هل اختفت الأواني من بيوتنا؟!!!
أرى كل هذا وأتساءل : لماذا يهتم الجميع بما يوجد في الاسواق ويتهافتون على شرائه ويصرفون الأموال على أشياء ليسوا بحاجة إليها فعلا ً ؟؟
على الرغم من ان رمضان هو شهر الغفران بقراءة القرآن ، يحرص أغلبية الناس على السهر في رمضان بين الشيشة والتلفاز ، بين المسلسلات العربية والتركية ، ولا يفوتنا أن نذكر أن مسلسلنا الدموي ، مسلسل الإنقسام والفرقة والبغضاء ما زال مستمراً منذ أكثر من ستة أعوام ، فحالة الخصام والشقاق ورفض الآخر تتنافي مع قيم وتعاليم ومفاهيم هذا الشهر الكريم .. فهل من وقفة لله وللرسول لأيقاف عرض هذا المسلسل ونحن على أبواب شهر كريم ونحن نتوجه لرب كريم أن يفرج عنا هذا الكرب ... يا رب آمين .
في السابق كانت العائلات تستعد لرمضان بالقرآن ، بالإعتكاف والتراحم والمحبة والسلام بتفقد أحوال الجيران وبمد اليد والإحسان وبالصدقة والزكاة ، بالحرص على صلاة التراويح وبالقيام في عتمة الليل بعد إطفاء المصابيح .
كان البال أهدأ والناس أصفا والنفوس أطيب والقلوب أزكى والسياسة أبعد والعلاقات أقرب ، فمتى العودة إلى أيام زمان ؟؟ ولماذا هذا التسابق والزحمة على شراء الحاجيات ؟ ومتى يكون التسابق مثل زمان على العبادات كحفظ القرآن والاعتكاف وختم القرآن؟
لماذا لا يكون التسابق على نسيان ما في قلوبنا من غل تجاه اشخاص نعرفهم ؟!! .. فنمد يد التسامح والصفح والمحبة بعضنا لبعض حتى تكون أعمالنا خالصة لوجه الله.
ولماذا لا يكون التسابق على إنهاء هذا الوضع الشاذ وطرد شيطان الإنقسام وعفاريته التي تقتات وتعتاش على بقاؤه ؟؟
لماذا لا يكون التسابق على تدريب أطفالنا على الصيام وقراءة القرآن ، كما فعل معنا آبائنا في السابق، خاصة انهم الآن في عطلة .
لماذا لا نحرص على التجمع بعد الفطور لتصفية النفوس واعادة العلاقات المتوترة إلى سابق عهدها من المحبة؟
لماذا لا نحرص إلا على شراء اللحوم والدجاج ، والحلو ما لذ منه وطاب ، والمظاهر والضيافة و الإفطارات الجماعية والسهرات الرمضانية ، ولماذا أصبحنا لا نهنئ بعضنا إلا بالرسائل النصية والمكالمات الهاتفية ؟ ولماذا لا نستبدل ذلك كله أو بعضه باعطاء ما يتم إسرافه على مثل هذه الأمور لأسرة متعففة محتاجة، وعندنا في فلسطين الكثير ، ولا يفوتني التذكير بأخوتنا القادمين من سوريا والذين يعيشون أوضاعاً صعبة .
لماذا لا نستغل وقت السهر بقيام الليل، وختم القرآن بدل المسلسلات؟ فرمضان كله بركة وليس العشر الأواخر فقط.
تنويه :
كل عام وانتم بخير.. أعاده الله علينا وعليكم وعلى فلسطين والعرب والمسلمين بالخير والبركات والحرية والثورات .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت