مع انتهاء جولة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الخامسة إلى المنطقة، وجولاته المكوكية بين الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، فشل كيري في تحقيق تقدم في مسيرة السلام، وعاد إلى بلاده بخفي حنين، لعدم إحراز أي تقدم ولأنه ليس بمقدوره زحزحة إسرائيل عن مواقفها، ولو قام بـ (50) جولة وليس خمس جولات، فإن ما يسمى بحل الدولتين كذبة كبرى اخترعها "نتنياهو"، وأكبر دليل على ذلك، أن الحكومة الإسرائيلية لم تقرها، وحتى لم تناقشها، ولكي نكون واضحين، فإن اليمين المتطرف هو الذي يحكم إسرائيل، وهذا اليمين يقول صراحة أنه لن تنشأ دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، و"كيري" حقاً يريد تحقيق نجاح في مهمته لشخصه، ولإدارته ولمصلحة الولايات المتحدة، لكن دون إغضاب إسرائيل ولوبياتها الصهيونية.
كيري يدعي بأنه نجح في إقناع الجانبين بتقديم بعض التنازلات، بحصول الفلسطينيين على بوادر حسن نية من قبل إسرائيل، بإطلاق سراح (60) أسيراً فلسطينياً على ثلاث دفعات، إلا أن الرئيس الفلسطيني أصر على إطلاق سراح (123) أسيراً من المعتقلين قبل اتفاق أوسلو- سبق أن اتفق على إطلاقهم- لكن الخلاف الأهم يبقى بأن تكون حدود 1967 مرجعية المفاوضات، ووقف أعمال البناء الاستيطاني كلياً، و"نتنياهو" يرفض هذه المطالب المشروعة، ويستمر بإطلاق مشاريع استيطانية جديدة فعلى ماذا ستجري المفاوضات، وإسرائيل لم تبق مجالاً لإقامة الدولة الفلسطينية، ولعدم ظهوره بالفشل، فإن كيري مع مغادرته المنطقة قال بأن الخلافات بين الجانبين تقلصت جداً، بينما يقول الجانب الفلسطيني أنه لم يطرأ أي تقدم، والإسرائيليون يعترفون بأن الخلافات ما زالت كبيرة جداً، و"نتنياهو" يعود للحديث عن معضلة الأمن الإسرائيلية، التي لا نهاية لها، وبأن إسرائيل لا تساوم على أمنها ولا تريد دولة ثنائية القومية، تتنافى مع رؤيا مؤسس الحركة الصهيونية "بنيامين زئيف هرتسل"، وتعريض الطابع اليهودي للخطر، ومع ذلك يتمسك "نتنياهو" بادعاء التفاؤل لذر الرماد في العيون، فهو كاذب، وحتى الإسرائيليون يتهمونه بالكذب والخداع.
"نتنياهو" أعلن في عام 2009 عن حل الدولتين، لكنه لا يقصد ولا يؤمن بهذا الحل، فقد وضع جميع العراقيل والشروط التعجيزية لكي لا يحقق ما طرحه، مثل الاعتراف بيهودية إسرائيل وبحق إسرائيل بالوجود كدولة يهودية قومية، فحتى المقربون منه يقولون أنه يلعب لعبة شطرنج مع الإدارة الأميركية، فالوزراء والسياسيون الإسرائيليون يعلنون يومياً بأن فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بل وشطبت، ومنهم وزير الجيش "موشيه يعالون"، ونائبه "داني دنون"، ووزير الاقتصاد "نفتالي بينت" - رئيس حزب البيت اليهودي- الذي يعلن بأن إقامة دولة فلسطينية سيجلب على إسرائيل مئة عام من الصراع، ودون نهاية، وسيغرق إسرائيل بملايين اللاجئين، وأن فكرة إقامة دولة فلسطينية، بما يسمى بأرض إسرائيل، آلت إلى طريق مسدود، وحسب زعمه فإن ما يسمى بـ "أرض إسرائيل"-أي فلسطين- تعود لشعب إسرائيل، وأنه يتهم القيادة الإسرائيلية بعدم استعدادها للمصارحة بهذه الحقيقة، والتعايش من مرحلة البحث عن الحل لمرحلة التعايش معها، وفرض السيادة الإسرائيلية في البداية على المناطق المصنفة "ج"، والوزير "سلفان شالوم" يتهم الفلسطينيين بوضع العراقيل أمام العودة للمفاوضات، بطرح سلسلة طويلة من الاشتراطات المرفوضة إسرائيلياً، والوزير "عوزي لنداو" يعتبر إقامة دولة فلسطينية أمراً غير واقعي، والوزير المتنفذ رئيس سكرتارية حزب الليكود " يسرائيل كاتس" يعلن بان حزبه الليكود لا يؤيد إقامة دولة فلسطينية، ورئيس الائتلاف الحكومي "ياريف لفين"، يقول أنه لا سلام دون "أرض إسرائيل" الكاملة كحق لشعب إسرائيل.
في أعقاب مرور (100) يوم على تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فإن هذه الحكومة تواجه العديد من المشاكل، وصلت إلى حد التهديد بحلها، فهناك موضوع المصادقة على الميزانية السنوية، وقانون التجنيد، واختيار الحاخام الأكبر، والوضع السياسي، وأزمة المفاوضات، ونزع الشرعية عن إسرائيل، فـ "نتنياهو" فقد السيطرة على حكومته، ويواجه تمرداً داخل حزبه، ودعوات لفك التحالف مع حزب "إسرائيل بيتنا"، كما أعد معارضيه وثيقة لا تسمح بترشيح نتنياهو لولاية أخرى لمنصب رئيس الحكومة، فلماذا يدخل "نتنياهو" نفسه بورطة داخل حزبه، وداخل الائتلاف الوزاري؟ في وقت يستغل خصومه الوضع العربي الغارق في حمامات من الدماء في عملية سلام، فهو لا يؤمن في الأساس بوجود احتمال للتوصل لاتفاق، وهو لا يؤمن بجدية بالحل وبالسلام، فالقيادة الإسرائيلية المتنفذة، ليس فقط تعارض إقامة دولة فلسطينية، بل هناك كراهية وعداء لوجود دولة فلسطينية، وعلى هذا الأساس ينفذون مخططاتهم الاستيطانية، لابتلاع الضفة الغربية المحتلة.
ولكي نكون موضوعيين، فإن قلائل من الإسرائيليين من يتجرأ وينادي بالسلام القائم على إقامة دولة فلسطينية، والذي يعتبرون أن الجمود السياسي، يعمق مقاطعة إسرائيل وشرعيتها وعزلتها الدولية، وهناك خشية من توجه الفلسطينيين للحصول على عضوية كاملة، في الأمم المتحدة، كذلك الخوف من توجه الفلسطينيين لمحكمة جرائم الحرب في لاهاي، أما الأهم إسرائيلياً الخوف من تفكك الائتلاف الوزاري، وسقوط الحكومة، على خلفيات عديدة، ومنها مفاوضات السلام، فإضافة لأحزاب اليسار، وحركات السلام الإسرائيلية التي تضغط باتجاه الحل، فإن رئيس الموساد السابق "مئير دغان" يحذر من استمرار الجمود السياسي، ونائب الكنيست من حزب "هناك مستقبل"، يحذر من أن الاحتلال يدمر المجتمع الإسرائيلي بكل أطيافه، ويمكن أن تصبح إسرائيل كجنوب إفريقيا في العهد العنصري، كذلك فإن هناك أصواتاً عقلانية، من أمثال الوزير السابق "يوسي بيلين"، والوزيرة "تسيفي ليفني"، ورئيسة حزب ميرتس "زهافا غلؤون"، الذين يعتبرون بأن عدم التوصل للسلام سيكلف إسرائيل ثمناً غالياً.
وخلاصة القول، فإن حل الدولتين، أو الدولة الواحدة، وصل إلى طريق مسدود، والمعركة تدور الآن حول من يتحمل مسؤولية إفشال الحل، فالرئيس الفلسطيني متمسك بثوابته، ويعمل على تمزيق القناع عن وجه "نتنياهو"، و"نتنياهو" متمسك بقناعاته، و"كيري" يضغط على الفلسطينيين، بدلاً من أن يضغط على إسرائيل، ولم يبق أمام الفلسطينيين سوى التوجه لمجلس الأمن لتطبيق جميع قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولو أن مثل هذه التوجه سيصطدم بالفيتو الأميركي، إذ أن خيارات الفلسطينيين أصبحت معدومة، لنلقي بالمسؤولية على أميركا والدول الغربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت