طريق الآلام

بقلم: محمد علي الحلبي


"سنجعل منهم شطيرة بشطر ما.....سوف ندخل قطاعاً من المستوطنات اليهودية بين الفلسطينيين، ثم قطاعاً آخر من المستوطنات اليهودية عبر الضفة الغربية لكي لا تستطيع بعد25عاماً الأمم المتحدة، ولا الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي أحد تفكيكها".
ذلك ما قاله" آرييل شارون"لــ"ونستون تشرشل الثالث"في عام1973.
المرجع:دراسة لدائرة شؤون المفاوضات لمنظمة التحرير الفلسطينية.

مرّ أربعون عاماً على هذه المقولة،وشارون كان يومها عضواً في الكنيست الإسرائيلي،ثم شغل منصب وزير للزراعة،ثم للدفاع وبعده للخارجية،وأخيراً رئيساً للوزراء إلى أن دخل في غيبوبة دماغية في عام2004،وبقي يعاني منها ، وتاريخه حافل بالجرائم والمجازر ضد الفلسطينيين،وضد اللبنانيين في (صبرا وشاتيلا) ومن أقواله:"جميعنا يجب أن يتحرك،أن يركض...يجب أن نستولي على مزيد من التلال....يجب أن نوسع بقعة الأرض التي نعيش عليها فكل ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا يصبح لهم".

بعد هذه المقدمة المأساوية....أليست الحقائق لما قاله، وقاله غيره أيضاً كثيرة وعديدة على أرض الواقع؟ّ.....فمنذ اتفق على ما سُميّ بمعاهدات السلام بين العرب والإسرائيليين،والأوضاع تزداد سوءاً،وكل اجتماع مفاوضات يرمي بقاذوراته المقززة على الأرض العربية،والغرابة كل الغرابة أن أجهزة الإعلام تستعمل من حين لآخر تعبير إحياء المفاوضات،وبتقديرنا فهو تعبير صائب في المعنى المبدئي،فالمفاوضات ماتت،بل شبعت موتاً،وفُنيت حتى هياكلها العظمية لكن صنّاع وفنانو المستحيلات يصرون عبثاً على الإحياء،وعودة الروح إليها .

إنها مسيرة الآلام ، وطريق الآلام بحسب المعتقد المسيحي الطريق التي سلكها السيد المسيح من باب الأسباط في القدس إلى كنيسة القيامة،أو كنيسة القبر المقدس عندما قام اليهود بتعذيبه وصلبه،وفيها عُذّب،وجُلد،وحُمل صليبه،وعن طريق الآلام وقد وصفه الكاتب"محمد ثابت"بعد جولته في ربوع الشرق الأدنى في عام1932: "وفيه حُمل المسيح الصليب الكبير،وقطع به الطريق كله،وقد أعياه ثقله،فوقف اثنتي عشرة مرة متوجعاً،و عرف القوم تلك النقاط،ووضعوا علامات تميزها،وفي الموقف الرابع قابلت العذراء ابنها المسيح وهو يسير إلى القتل،وفيها أقام الأرمن كنيسة،وفي المحطة السادسة تقدمت القديسة "فيرونا شيا " فمسحت عرق المسيح،وفي الثامنة خاطب المسيح حشدا من نساء القدس قائلا ً:لا تبكون عليً،بل ابكوا ضحايا القدس من الشباب،وآخرها وهي الرابعة عشرة كنيسة القيامة حيث دُفن المسيح في قلبها"والقرآن الكريم يأتي على ذكر الحادثة في سورة النساء،الآية157في قوله تعالى:"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا"،وفي تفسير القرطبي للآية الكريمة أن عيسى بن مريم قال لحواريه : "أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول؟!....فقال رجل من أصحابه: أنا يا نبي الله، فقُتل ذلك الرجل، ومنع الله نبيه، ورفعه إليه.
وفي التاريخ المعاصر،وقد ازدادت مسيرات الآلام،فشملت أبناء فلسطين إن لم يكن كلهم فجّلهم حمل همومه،وهموم أهله،وأبناء وطنه،وراح يسير في طريق لا نهاية لها ينوء بحمله ما اضطرته الأيام لحمله تزيده الهموم والأحزان وزناً حتى سقط العديد منهم صرعى العذاب،والمسيرة مستمرة،والسائرون يزدادون يوماً إثر يوم بينما يصرّ بعض القادة على"إحياء الموات" لجثة اسمها اتفاقية أوسلو،والتي ماتت وفور التوقيع عليها في عام1993،والحلول تبتعد أكثر،وأكثر،وطاولات الاجتماعات تهشم خشبها،وصدأ حديدها،وسؤال يُطرح:أمن أمل؟ّ....
في هذا الأسلوب،وللبحث الموضوعي آثرنا تبويب رؤيتنا في بنود:
الواقع...الفلسطينيون- العرب....الإسرائيليون- أمريكا.

الواقع الحالي:
الأرض الفلسطينية ملك للشعب العربي الفلسطيني عبر مراحل كل التاريخ إلا من فترة وجيزة قامت فيها مملكة إسرائيل جاء ذكرها في التوراة كمملكة لجميع أسباط بني إسرائيل ألاثني عشر سماها الباحثون بذلك للتفريق بينها وبين الجزء الذي انفصل عنها لاحقاً،ويُقدر معظم دارسيّ العهد القديم تبعاً لما ورد فيه فترة وجود هذه المملكة بأكثر من100عام أي منذ1050ق.م وحتى930ق.م تقريباً،لكن في عام1947امتدت مساحة الدولة العبرية المُقترحة على54%من مساحة فلسطين في حين كان عدد اليهود،وبعد تزايد الهجرات إليها يبلغ الثلث فقط كما كان مجمل ما يملكه اليهود في حينها لا يزيد عن7%من أرض فلسطين،وبعد حرب1948،وتهجير معظم أهلها العرب الفلسطينيين منها توسعت مساحة الدولة العبرية لترتفع إلى78%من مساحة فلسطين،وخارطة قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم181بتاريخ29تشرين الثاني-نوفمبر-1947ورغم تجنيه على الحق العربي لكنه أبقى للعرب مثلثاً شمالياً ملتصقاً بالحدود اللبنانية،وما يُسمى بالضفة الغربية،وقطاع غزة،وكانت مساحة القطاع أكبر بكثير منه الآن فله امتداد على الحدود الفلسطينية المصرية،والقرار السيئ الذكر أعطى55%من أرض فلسطين للدولة اليهودية لم تكن من ضمنها مدينة يافا،ولا مدينة بئر السبع، وكذا الشريط الممتد على الحدود المصرية،والمساحات الثلاثة مترابطة برياً فيما بينها لكن إسرائيل ضمت المثلث وجزءاً من قطاع غزة وجزءا من الضفة الغربية وبعد حرب عام 1967 احتلت كامل الأراضي الفلسطينية لكنها انسحبت من قطاع غزة لشدة مقاومة أهله والكثافة السكانية فيه،وبقيت محاصرة له براً،وبحراً،وجواً،وبينما كان عدد اللاجئين الفلسطينيين711,000في عام1950ارتفع ليصل إلى4,7مليون لاجئ مسجّل لدى الأونروا. واتفاق أوسلو الموقع عام 1993 ترك أهم القضايا للمفاوضات،وهي:
القدس , اللاجئون , المستوطنات , الترتيبات الأمنية , الحدود , والعلاقات والتعاون مع الجيران الآخرين،و النص حدد فترة انتقالية لا تتعدى الثلاث سنوات للبت فيها والاتفاق عليها،ولليوم مازالت معلقة،وكبير المفاوضين الفلسطينيين مازال مصراً على مقولته (الحياة مفاوضات) ورغم صدور قرار عن مجلس الأمن تحت رقم446لعام1979أكد فيه أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين إليها غير شرعي،والقرار452لعام1979قضى بوقف الاستيطان في القدس،وعدم الاعتراف بضمها،وأيضاً القرار رقم465لعام1980والذي دعا إلى تفكيك المستوطنات،وتبعه القرار478في ذات التوجه،ولجنة حقوق الإنسان وفي قرار لها حول"المستوطنات الإسرائيلية"رقم8/2000بتاريخ17نيسان-إبريل-2000مذكرة بقراراتها السابقة مؤكدة فيه عدم شرعية"المستوطنات الإسرائيلية"في الأراضي المحتلة بينما الانتهاكات الإسرائيلية من استيلاء على الأرض،ومصادرة الممتلكات،وطرد الفلسطينيين،وشق الطرق الالتفافية التي تغيّر التكوين الجغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس،وعن الطريق الالتفافي تقول دراسة لدائرة المفاوضات الفلسطينية "كما هو حال الجدار الذي سيفصل القدس طبيعياً ووظيفياً عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية سيعمل شارع الطوق مع امتداداته على الفصل الفعلي للأحياء الفلسطينية داخل القدس المحتلة عن بعضها البعض،وبالتالي تعطيل تام لنسيج حياة أكثر من250,000فلسطيني في القدس،وتهديد إمكانات النمو الحضري والتطور الاقتصادي،وترابط الدولة الفلسطينية....يُذكر أن حوالي35%من الاقتصاد الوطني الفلسطيني يُنتج من منطقة محافظة القدس،وهي المنطقة الممتدة من بيت لحم إلى رام الله عبر القدس المحتلة،وبالتالي فإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة اقتصادياً وسياسياً هو أمر مستحيل إن لم يرحل الاحتلال عن القدس الشرقية" والمستوطنات تزداد عدداً،وتزداد اتساعاً في تحد لكل القرارات الدولية،ومحادثات السلام غير المجدية،فعددها بلغ176مستوطنة في الضفة الغربية، رغم الوعود الإسرائيلية بالتوقف عن متابعة البناء،أو التوسع فإن تقريراً إسرائيلياً ذكر أن نسبة البناء ارتفعت176%في الربع الأول من العام الحالي،وذكر التقرير الذي نشره المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام2013بدأ العمل ببناء865منزلا ًجديداً في الضفة،ومنظمة (السلام الآن) الإسرائيلية أعلنت أن إطلاق عملية البناء في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية خلال الفصل الأول من العام الحالي الفعلي يتم منذ7سنوات،وبالضرورة فقد ازداد عدد المستوطنين بنسبة4,7%عام2012بحسب ما أعلنه المجلس الاستيطاني لوكالة فرانس يرس، وبذا أصبح عدد المستوطنين360ألفاً في أوائل كانون الثاني- يناير-2013مقارنة مع343ألفاً في كانون الثاني- يناير-2011 .

حق العودة،ورغم أنه منصوص عليه في صلب ميثاق الأمم المتحدة،وقرار التقسيم عام1948شدد على حقهم في العودة والتعويض أيضا ،أو التعويض لمن لا يرغب في العودة ,إلا أنه غيبته الأيام بالقبول والاعتراف بدولة إسرائيل على حدود ما قبل عام1967،والملاحظ أن نصوص التحدي العربية للإجراءات الإسرائيلية تُصاغ بمضامين عامة وغامضة تتيح تفسيرها كما يريد لمن أراد ذلك،وكان أخيراً شعار يهودية الدولة الذي أبدى بعض المسؤولين اعترافاً غير معلن به ليمسح هذا الحق من جذوره ضارباً بالقيم الإنسانية،والتي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة والنصوص الراعية للإنشاء،وحتى ندرك هول المصيبة والنهج المتبع في معالجتها ،ولمعرفة المزيد لما خلفته،والتوقعات المستقبلية كان لابد من استعراض لمواقف المعنيين بها،فالموقف الإسرائيلي لم يتغير منذ قرار التقسيم،وحتى قبله،وإلى الآن،وما نسوقه هنا غيض من فيض لأن ذكرها كلها يحتاج إلى كتب....لقد بنى"هرتزل"مؤسس الحركة الصهيونية فكره على"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"وهو من قال:"إذا حصلنا يوماً على مدينة القدس،وكنت ما أزال حياً،وقادراً على القيام بأي عمل سوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها،وسوف أحرق جميع الآثار الموجودة ولو مرّت عليها قرون"وقال ديفيد بن غور يون أول رئيس لحكومة إسرائيل:"إن شعب إسرائيل الذي يقف على أعتاب المعبد الثالث لا يمكن أن يتحمل الصبر الذي كان عليه أجداده" وهو القائل: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس،ولا معنى للقدس بدون الهيكل" وأبدى وزير الدفاع "موشي دايان" تمسكه بالقدس بعد احتلالها : "لقد رجعنا،ولن نتخلى عن القدس" و"مناحيم بيغن"رئيس الوزراء تمنى أن يُعاد الهيكل في أقرب وقت،وخلال فترة هذا الجيل كما أن رئيس الوزراء"إسحاق رابين"وفي عام1995وفي عمان العاصمة الأردنية وأثناء انعقاد المؤتمر الاقتصادي قال أمام الجميع:"جئتكم من القدس العاصمة الأبدية الموحدة لدولة إسرائيل"ولم يرد عليه أحد،وفي ذات التوجه تحدث"نتنياهو " بعدم الانسحاب من القدس العاصمة الأبدية،وسياسته تركزت حول:
1- القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية.
2- يهودية الدولة، وهدفه إلغاء حق العودة للاجئين منذ عام1948وربما رمى إلى ترحيل العرب الباقين فوق الأرض المحتلة.
3- التمسك بما تمّ ضمه من أراض جديدة، ولا عودة لحدود عام1967.

إنها إستراتيجية دائمة مستمدة مما جاء في العهد القديم، وما قيل فيه، وما حُّمل بعد ذلك من تفسيرات تمادت في تثبيت الخطط العدوانية، والاحتلال، واغتصاب للأراضي والحقوق.
وعن الموقف الأمريكي فخطأ فادح وكبير،وجريمة بحق الأمة العربية أن يقتنع البعض بحياديته،فأمريكا وكما أعلن دائماً حليف استراتيجي لإسرائيل،ومنابع هذا التحالف المصالح المشتركة...أمريكا تريد السيطرة على الموارد الذاتية للأمة العربية ومنها النفط إضافة للبعد العقائدي للفكر البروتستانتي فأكثر من50%من سكانها من المؤمنين بالمذهب البروتستانتي وبعودة السيد المسيح لتبدأ الألفية الثالثة السعيدة وقبلها لابد من أن يجتمع اليهود من جديد في فلسطين وفق الرؤية التوراتية في العهد القديم ليقوم بتنصيرهم،ولذا خطط وقرر ليبق العرب ضعفاء ممزقين في ظل أنظمة شمولية،وهذه الغاية هي الأساس في خطة التحالف بينهما،والرؤساء الأمريكيون ومنذ قيام إسرائيل ودعمها , لا ينفك الواحد منهم عن الإدلاء بتصريح يؤكد ذلك،فالرئيس الأمريكي"ويلسون"صدّق على وعد بلفور عام1918والرئيس"روزفلت"أثناء حملته الانتخابية عام1944وعد بإنشاء دولة يهودية،وإلغاء الكتاب الأبيض،والرئيس"هاري ترومان"جاء في كتاب(التاريخ اليهودي)لإسرائيل شاحاك ذكر فيه أن الرئيس"ترومان"ردّ على أحد مقدميه لإلقاء كلمة في معهد لاهوتي-يهودي عندما امتدحه بأنه الرجل الذي ساعد على خلق دولة إسرائيل،فردّ عليه ماذا تعني بقولك ساعد على خلق الدولة؟ّ....إنني قورش،وهو الذي أعاد اليهود من منفاهم في بابل إلى القدس بعد السبيّ البابلي،والرئيس"كارتر"وفي عام1978يؤكد"أن دولة إسرائيل هي أولا ًوقبل كل شيء عودة الأراضي التوراتية التي أخرج منها اليهود،ومنذ مئات السنين،وإنشاء دولة إسرائيل هو إنجاز للنبوءة التوراتية،وجوهرها....لكن الرئيس"ريغان" فكان أشد مغالاة في الدعم،فتمنى أثناء حديث له مع المدير التنفيذي للإيباك المنظمة الصهيونية عن تمنياته أن تحصل معركة هرمجدون وفق الرؤى التوراتية في سهل مجدو الفلسطيني في زمانه،ويتمنى أن يضغط على زر بدء المعركة للدفاع عن اليهود،والرئيس "كلينتون" قال في شرم الشيخ عام2008:"إن لدى الولايات المتحدة التزاماً أدبياً يحقق أمن إسرائيل"والرئيس"بوش الابن"أعلن اسم الدولة اليهودية في عام2008بمناسبة الذكرى الستين لقيام الدولة،وأكثر فقد قال قبلا ًوفي عام2004أمام الكونغرس وتحت عنوان(حال الاتحاد اليهودي المسيحي):"أود وبكل اعتزاز أن أقول لكم حالة الاتحاد المسيحي اليهودي الأبيض الثري قوية تماماً،ومهابة،ومحترمة،والقوة الأمريكية،والهيمنة قوية ومهابة ومقبولة في العالم كما هي اليوم"والرئيس الحالي"أوبا ما" المتميز بسرعة تراجعاته التزم وأمام منظمة الإيباك بأمن إسرائيل،وتجنب الحديث عن ممارسة أي ضغط يمارسه عليها،وأعلن دعمه للقدس غير المقسمة عاصمة لإسرائيل مؤكداً على يهودية الدولة،ومعارضته لحق العودة،وطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة،وحث العرب على التطبيع معها مطالباً الرئيس"محمود عباس"بالعودة للمفاوضات دون شرط تجميد بناء المستوطنات،ووزير خارجيته"جون كيري"وأثناء ترشحه سابقاً للرئاسة قال:"لقد حان الوقت لإنعاش رؤية جزئية للتراث الذي يحترم تواصل الإستراتيجية الصليبية التي أوجدها ويلسون وروزفلت،وتلقفها هاري ترومان وجون كيندي" وجيمس يبكر وزير الخارجية الأسبق يعبّر بدقة عن نواة وصلب السياسة الأميركية في حديث له"ستبقى المدرسة البراغماتية المثالية تحكم السياسة الأمريكية بشكل عام" وملاحظة عابرة فجميع الرؤساء المنتخبين من أصل بروتستانتي باستثناء الرئيس جون كيندي.

إذن التحالف والتطابق في المصالح والرؤى باتا واضحين لا يمكن لأحد إنكارهما،فأمريكا جزء من إسرائيل،وإسرائيل جزء منها،وفي المقابل فالسلطة الفلسطينية مازالت في حالة تموج وضياع منذ أوسلو،ولليوم،وحتى للغد إن بقيت على النهج الذي ارتضته بعيداً عن طموح الشعب العربي الفلسطيني،والأمة العربية.
البداية يختصرها قول الرئيس"عباس"وفق ما جاء على ذكره الرئيس الإسرائيلي"شمعون بيريز"مع وزير خارجية النرويج نقلا عما سمعه منه قال له:"إن الأمريكيين قد جعلوه يصعد إلى شجرة عالية ثم أخذوا السلم وتركوه معلقاً"....صورة بسيطة معرية حيادية أمريكا،وكاشفة لحقيقتها الانحيازية،ويردد أيضاً:"لا تتجاهل عذابات اليهود على مرّ التاريخ،وقد حان الوقت لإنهاء كل هذه المعاناة"وقال في وقت آخر:"إن الهجمات ضد الإسرائيليين لا تنسجم مع تقاليدنا الدينية والأخلاقية" وأنه مازال مصراً على أن إطلاق الصواريخ عملية عبثية،ووصف العملية الاستشهادية التي قام بها "سامي سميح قاسم" في تل أبيب بأنها عملية إرهابية حقيرة،وتتعارض مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني متعهداً بإنهاء عسكرة الانتفاضة،ونزع الأسلحة من الفلسطينيين باعتبارها غير شرعية،وأمر قوات أمنه بقتل"وطخ"كل من يحمل صاروخاً،وعن عرب الداخل(1948)لقد أضروا بحق العودة على وجه الخصوص فالإسرائيليون سيقولون مثل هؤلاء العرب لا نريد المزيد منهم.
المصدر:شبكة فلسطين للحوار
ويتابع كبير مفاوضيه السيد"عريقات" القانع قناعة أبدية بأن الحياة مفاوضات،وهو من ألف وتآلف مع التنازلات متابعاً سقاية الشعب العربي الفلسطيني مرّ العلقم،فتنشر جريدة(القدس العربي) نقلا ًعن وثائق ومحاضر اجتماعات المفاوضات الفلسطينية بأنه قدم تصوراً خاصاً أثناء المفاوضات بملف القدس القديمة مبدياً استعداده للتنازل عن أجزاء واسعة منها،وإبقاء أمر السيادة على المسجد الأقصى إلى مفاوضات لاحقة قائلا ً:"وحتى بالنسبة للمدينة القديمة ممكن إيجاد حلول لها باستثناء الحرم الشريف،وما يسمونه جبل الهيكل هنا تحتاجون لإبداع أشخاص مثلي في وصفه(لعبقرية التراخي والتنازل)" بينما رفض الراحل"عرفات"التنازل عن الحيّ الأرمن فيها قائلا ًحينها:"أنا اسمي عرفاتيان" والأكثر من عريقات صنوه أحمد فريع الذي وعد بجلسة بحضور"كوندليزا رايس"وزيرة الخارجية بالتخلي عن جميع المستوطنات في القدس باستثناء مستوطنة أبو غنيم،وعرض على الإسرائيليين الاكتفاء بعودة عشرة آلاف لاجئ سنوياً لمدة عشر سنوات أي ما مجموعه ستة آلاف لاجئ،وفي جلسة عُقدت بتاريخ12تشرين الثاني-نوفمبر-مع"تسيبي ليفني"يقول فيها لم ينكر أبداً حق إسرائيل في تعريف نفسها:"إذا كنتم تريدون أن تسموا أنفسكم دولة إسرائيل اليهودية يمكنكم تسميتها كما تريدون ولكننا لا نريد أن نذكر ذلك علناً"وفي شباط2008وفي لقائه مع"ليفني"يدعو الإسرائيليين لتشديد الحصار على غزة داعياً إلى إعادة احتلال محور فيلادلفيا،
وما أطلق ظلما من اسم القادة على بعض المسؤولين العرب فمنذ عام1948يقول الملك عبد الله ملك الأردن لجو لدا مائير،وكانت وقتها ممثلة للوكالة اليهودية،واجتمع بها في الأغوار سراً بأنه عازم على ضم الجزء المخصص للعرب في مشروع التقسيم،ويعتزم إقامة علاقات سلام وصداقة معهم،وتتابع أحابيل التآمر في كامب-ديفيد،واتفاقية وادي عربة،واتفاقية أوسلو،وأخيراً بموافقة اللجنة العربية المشكلة من بعض وزراء الخارجية موافقتها على تبادل الأراضي في حال الاتفاق على الحل مثبتة وبذلك إلغاء حق العودة،وإقرار بمعادلة تبادل بين أراض عربية وأخرى إسرائيلية.

إنها مسيرة الآلام لا في القدس فقط، بل بكل فلسطين،والوطن العربي وأعمدتها واضحة جلية تصلب إسرائيلي أمريكي،وتهاون يصل إلى حدّ البعد عن مبادئ المسؤولية على الجانب الآخر،وفي هذه الأجواء وقد طال أمدها يُطرح سؤال:أمن أمل في هذا الأسلوب؟!....والجواب قطعاً:لا.
لنحول مسيرات الآلام إلى مسيرة واحدة للألم في إستراتيجية جديدة تضع من أولى أولوياتها الكفاح بكل تنوعاته وأولها النضال المسلح رغم الصعوبات التي استجدت ومن المؤكد بعدها عودة الوحدة ما بين الضفة والقطاع، وعودة منظمة التحرير إلى ثوابتها النضالية وستكون جماهير الأمة العربية داعمة لها ، وسيلتحق بها كل المكافحين،وليكن شعار المرحلة القادمة السياسة فنّ الممكن،والمقاومة فنّ المستحيل،والحق بلا قوة تدعمه لا قيمة له،والقوة بلا حق آيلة إلى الانهزام.

دمشق: 11 - 7 - 2013
محمد علي الحلبي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت