العوامل الثقافية كقوة مؤثرة في مقاربة القضايا العالمية

بقلم: سلام الربضي


الواقع العالمي يعبر عن مرحلة إنتقالية، تتميز بها معظم ملفات السياسة العالمية. والقضايا المطروحة عالمياً من الأسلحة النووية، البيئة، الفقر، إصلاح الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، الهجرة، الإرهاب، التنمية المستدامة......الخ، تجعلنا نتساءل عن الواقع النظري المفسر لقضايا العالم؟ فالتحدي الجديد في زمن العولمة يكمن في التساؤلات التالية :


كيف وما هي السبل لمواجهة هذه الانساق الجديدة؟ وهل تحمل النظريات التقليدية ومنها الواقعية في طياتها الإجابة؟ وهل ما زالت الدولة وحدها القادرة على تحديد العلاقات الدولية؟ وهل يمكن تحليل هذا الواقع المستجد من خلال الإرتكاز على معيار القوة المادية فقط؟أم يجب أيضاً التركيز وإدراج الجوانب الثقافية عند التحليل؟


إذ يبدو، التفاعل على المسرح الدولي، هو تفاعل ثقافي وليس تفاعلاً مادياً فقط. فإذا اخذنا أكثر القضايا سخونة على المستوى العالمي كالإرهاب، الأسحلة النووية، البيئة، لا يمكن إيجاد مقاربة نظرية لها، بعيداً من البعد الثقافي سواء في تحليلها أو في أيجاد الحلول لها. والعولمة بالمفهوم الواسع، أصبحت مسكونة بهاجس التعايش الثقافي، لا بالاقتصاد والتكنولوجيا فحسب. كما إن التنمية المستدامة قائمة على هاجس السؤال الآتي :

كيف يمكننا وضع حد لانتهاك الموارد الطبيعية، الذي قد يقضي نهائياً على إمكانيات التنمية المستدامة، من دون عقد ثقافي؟ وما هي السبل التي نملكها، لمواجهة وتحديد متطلبات أخلاقية تتضمن إطاراً عاماً للأمن البشري؟.


وبالتالي،هنالك الكثير من النظريات التي تحاول ملء الفراغ الفكري لعالمنا المعاصر، منها نظرية نهاية التاريخ، نظرية صراع الحضارات، نظرية ما بعد الحداثة، ولكن قد يكون أخطرها نظرية يحلو للبعض أن يطلق عليها تسمية "ما بعد الإنسانية". وفي المستقبل القريب علينا أن نواجه خيارات أخلاقية في مجال الهندسة الوراثية.

فالسؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكن إستعمال التكنولوجيا لتحسين الخصائص الوراثية؟


إذاً مستقبلاً ، نحن أمام عالم " ما بعد الإنسانية" سيكون أكثر تراتبية ومليئاً بالصراعات الاجتماعية. ولا مكان في داخله لأي مفهوم حول " الإنسانية المشتركة"، إذ سيتم تركيب جينات بشرية مع جينات أخرى، بشكل يجعلنا لا نعلم ما معنى الكائن الإنساني.

وإذا كان الطموح، هو نشوء نسق كوني من القيم، يحكم سلوك الشعوب والمؤسسات، فهل ستكون مسألة القيم وتحولاتها في صدارة الأسئلة الفكرية الراهنة والمستقبلية؟وهل إنتقل التركيز والاهتمام في تحديد العلاقات الدولية من العوامل الاقتصادية والتكنولوجية إلى العوامل الثقافية، باعتبارها قوة مؤثرة ودافعة في مقاربة القضايا العالمية سواء على صعيد تفسيرها أو في محاولة إيجاد الحلول لها؟


سلام الربضي باحث ومؤلف في العلاقات الدولية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت