لم يعتقد الجمهور الذي توجه إلى مدينة القدس للقيام بأداء صلاة الجمعة الأولى في رمضان، انه سيشاهد صور الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي على واجهات المسجد الأقصى.
تعليق الصور للرئيس المعزول أثارت الكثير من اللغط والسخط، كما وضعت العديد من علامات الاستفهام والأسئلة، التي كان من أبرزها، من الذي يقف وراء هذا الفعل عندما تنكر جميع الجهات لذلك، ومن المستفيد من نقل "الانقسام في مصر" إلى الساحة الفلسطينية وتحديدا ساحة المسجد الأقصى، الذي كان عبر العقود " على الأقل التي كان خلالها في قبضة الاحتلال" عامل توحيد لا عامل تقسيم وتنازع.
كنا نعلم ان فشل حركة الإخوان المسلمين في إدارة الدولة المصرية بعد عام على استلامها للسلطة، والطريقة "جمع ملايين الناس في الساحات" في خلع الرئيس محمد مرسي، قد يكون بداية الانحدار لهذه الحركة التي لم تتوقف عن ترديد شعاراتها الدينية من اجل الوصول للسلطة، وانها هي التي تمثل الاسلام الحقيقي، وما دون ذلك فهو باطل، لكن ان تمتد الأيادي التي تريد للانقسام المزيد من التعميق والتجذير إلى باحات المسجد الأقصى، فهذا ما لا يمكن فهمه ولا قبوله ولا السكوت عنه.
حالة من الهستيريا أصابت حركة الإخوان نتيجة خلع مرسي امتدت لتصل الى العديد من الدول العربية، وكان لأتباع الحركة في تلك البلدان ردود فعل تنم عن حالة من "الرعب" خشية من مواجهة الحقيقة التي بدأت تتجسد على الأرض، من ان المد الذي حققته الحركة خلال ما يزيد على عقدين من الزمن بدأ بالتراجع.
"بشائر" هذا التراجع حتى لا نقول الأفول، كانت عندما لم تستطع الحركة الحصول على نفس الكم من الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية في انتخابات الرئاسة، وكان ما حصلت عليه بالكاد يؤهلها للفوز بالرئاسة، هذا بالإضافة الى بعض التصدع الذي حصل في الحركة عندما أقدم احد ابرز رموزهم "عبد المنعم أبو الفتوح" على الترشح، مخالفا رأي الجماعة التي طالبته بعدم الترشح.
بالإضافة الى ذلك خروج بعض الأصوات مؤخرا معلنة "انشقاقها" عن الحركة، على اثر تورط الجماعة في أحداث العنف التي أعقبت إزاحة مرسي وسقوط المئات بين قتيل وجريح، كما والتحريض على العنف الذي قام به العديد من قادة الإخوان والطريقة البشعة التي شاهدها العالم عندما قام نفر من أتباعهم بإلقاء الصبية من مكان عال، تلك الجريمة التي اقشعرت لها أبدان كل من شاهداها.
ما جرى في المسجد الأقصى برغم حالة الإنكار من جميع الجهات التي تعتبر مرشحة للقيام بمثل هذا الفعل، لا يعني ان "جنودا من السماء" هم من أتوا وعلقوا صور أو صورة مرسي على واجهة المسجد.
كانت القدس وفلسطين محط أنظار العرب والمسلمين، وهي التي يجب ان تبقى بعيدة عن كل الخلافات في دول المحيط، هذا عدا عن السؤال، لماذا على الفلسطيني ان يكون طرفا في الخلافات الداخلية للدول العربية؟ خاصة وان التجارب أثبتت ان ليس من المصلحة الفلسطينية التورط في مثل تلك الأحداث، وأن من الأفضل لفلسطين والقدس والقضية النأي بفلسطين عن ذلك.
ما جرى في باحات الأقصى ليس سوى دليل على انه وكما ان هنالك لأتباع المذهب الشيعي مرشدا أعلى، فإن لإتباع المذهب السني وتحديدا حركة الإخوان المسلمين مرشدا روحيا أيضا، وهم أينما كانوا فإنما يأتمرون بأمره، وقد اطلعنا خلال الأيام الأخيرة على العديد من المراسلات بين أطراف عديدة من حركة الإخوان في الأردن وفلسطين وتحديدا في غزة، تبين هذه التبعية "العمياء" للحركة الأم في مصر.
ان إشغال الفلسطينيين بمثل هذه الصراعات والخلافات، إنما يعني حرف البوصلة عن مركز الصراع الأساسي ضد العدو المركزي للأمة، وعن قلب الأمة ممثلا في فلسطين ودرة تاجها القدس، وقد كان من الأوْلى لمن رفع صور مرسي، ان يرفع شعارات إنهاء الانقسام والدعوة إلى الوحدة، بدلا من صنع شروخ جديدة مع جهات أخرى عربية تزيد من ترهل الموقف الفلسطيني ومن ضعفه.
هل المطلوب من مثل هذه الأعمال ان يقوم من أيد خلع مرسي بأفعال معاكسة، أي الخروج بمظاهرات ومسيرات مضادة، ومن ثم نقل ما يجري في شوارع وميادين مصر إلى الميادين والساحات الفلسطينية، هل على الجمهور المناهض لمرسي ان يقوم بحرق صوره على سبيل المثال ونسيان ان هنالك انقسام أكثر حدة في الشارع الفلسطيني، وان "الوطن" مقسوم بين الضفة والقطاع، وإذا جرى مثل ذلك، فمن هو المستفيد، وكيف لنا الخروج من مثل هذه الدوامة؟
رفع الصور والشعارات المؤيدة لمرسي سوف يزيد معاناة الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، وبشكل خاص في ظل إغلاق معبر رفح الذي تسبب فيه مجموعة من الذين أرادوا توريط الشعب الفلسطيني في معاداة الشعب والجيش المصري الذي قدم عشرات الآلاف من الضحايا دفاعا عن الأمة.
إذا كان العشرات أو المئات ممن حملوا صور مرسي يعتقدون انهم سوف يغيرون المعادلة أمام ملايين الشعب المصري "في الجانبين" فإنما هم واهمون، وعليهم مراجعة أنفسهم قبل ان يورطوا القدس والأقصى وفلسطين في المزيد من التخندق لصالح من يعتقد بأنه وريث الله على الأرض.
الذين خرجوا لصالح مرسي بناء على توجيهات قياداتهم، عليهم ان يدركوا ان هؤلاء القادة لا يرى في أمثالهم سوى "حطب المحرقة" الذي لا بد من ان يحترق خدمة لهذه القيادات ومصالحها التي لا علاقة لها سوى بالطموحات الشخصية في السيطرة والوصول إلى السلطة.
إننا إذ نستغرب مثل هذا العمل وندينه، حيث لم يجر من قبل مثل هذا الفعل، ولم نر صورا لأي كان في باحات الأقصى، فإننا نتمنى ألا تكون هذه سابقة بحيث يصبح الأقصى بعدها ساحة للشعارات الفارغة ومعرضا لصور السلاطين والأمراء.
13-7-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت