سؤال ساذج يطرحه الكثير من المتابعين للشأن المصري وهو هل انتهى دور الإخوان المسلمين في الحكم في مصر بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ؟ وما هو مستقبل العلاقة القادمة بين أركان الحكم وجماعة الإخوان المسلمين ؟
في البداية سيبقى الخلاف قائما حول توصيف ما حدث في مصر على أثر الحراك الشعبي يوم 30 يونيو وهل ما قام به الجيش المصري هو انقلاب عسكري أم هو استجابة الجيش لغالبية الشعب المصري لانقاذ الدولة المصرية من التفكك والضياع ، وستبقى هذه الحالة الجدلية فترة من الزمن ستنتهي فور حدوث أحداث توازيها في الفعل على الأرض ، ولعل الحالة بشكل من الأشكال تشبه الجدل على ما قامت به حركة حماس في قطاع غزة في يوليو 2007 عندما انفردت في حكم قطاع غزة عبر سيطرتها على كافة المقار الأمنية والمدنية الرسمية وهل ما حدث انقلابا أم حسما عسكريا ؟ ، أحيانا يقف الكثير عند تسمية الحدث ويتجاهل النتائج الأكثر أهمية على أرض الواقع من التسمية هل هي انقلاب أم حسم أم انقسام ؟ .
ما حدث في مصر بعد 30 يونيه هي بداية مرحلة جديدة في إعادة صياغة النظام المصري الجديد وهي امتداد بكل تأكيد لثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك ، وأهم ميزات هذه المرحلة الجديدة هي انتهاء عصر حكم الحزب الواحد في مصر وإثبات بشكل عملي أن الحزب الواحد مهما كان حجمه لن يستطيع تحمل تبعات حكم الدولة ، وهذا الدرس الأساس في الحكم على مجريات الاحداث .
وأعتقد أن ممارسة الحكم لدى جماعة الإخوان المسلمين بشكل صحيح قد بدأت بعد أحداث 30 يونيو لأن هذه الاحداث ستفتح آفاق للإخوان لتقييم حكم الرئيس محمد مرسي لمدة عام كامل وخلال هذا العام اكتشف الإخوان مكان الخطأ والصواب واستشعروا حجم التركة التي يتطلبها حكم دولة مركزية بحجم مصر .
ويجب أن يدرك الإخوان حقيقة أن الذي عزل الرئيس حسني مبارك هي ذات الجهة التي خلعت الرئيس محمد مرسي داخليا وخارجيا ، فليس عمرو سليمان الذي قرأ بيان تنحي الرئيس مبارك هو وحده من قام بذلك وكذلك البيان الذي ألقاه الفريق عبد الفتاح السيسي بخلع الرئيس محمد مرسي لم يكتبه وحده كذلك ، بل كانت استشارات موسعة شاركت فيها أطراف مختلفة وأعطت الضوء الأخضر لفعل ذلك ، وهذا لا يقلل من شأن الحراك الشعبي الكبير لأن هذا الحراك كان الفتيل الذي أعطى نوع من الشرعية لتلك القرارات وهذا كذلك لا ينفي حقيقة أن هناك تذمرا ورفضا واضحا في الشارع المصري لطريقة إدارة الدولة المصرية في الشئون الداخلية والخارجية .
هذه تجربة غنية اكتسبتها جماعة الإخوان المسلمين ومن سيبدأ تفكيرهم في كيفية العودة لممارسة الحكم من جديد ولكن على أسس مغايرة تماما لما كان خلال حكم الرئيس محمد مرسي ، سيعود الاخوان للحكم كشركاء جديين وليس بدلاء لأي طرف ، سيعود الإخوان ولديهم حصيلة محترمة لتجربة غنية وهذا سيدفعهم لتقديم برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مختلفا عن السابق وسيعود حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان – ليكون المنقذ لوضع الجماعة من خلال مشاركته الفاعلة في الحياة السياسية المصرية .
لم ينته حكم الإخوان في مصر بخروج الرئيس محمد مرسي ولكن بدأت مرحلة حكم جديدة أحد أهم أركانها الحزب السياسي للإخوان ، وستقدم مصر النموذج الحقيقي للحكم كما يجب أن تكون عليه بقية الأنظمة العربية ، نموذجا يحقق الاستقرار الداخلي عبر الشراكة السياسية بين القوى الفاعلة ، ويحقق العلاقات الدولية المتوازنة عبر طمأنة كل دول الجوار أن مصر لن تكون منحازة لطرف دون الآخر في الخلافات الداخلية للدول الأخري ، ونموذجا دوليا في حفظ مكانة ودور مصر الدولي وعدم الرهان على موقف طرف داخلي بعينه تجاه الصراع في المنطقة وخاصة الصراع مع الكيان الإسرائيلي ودعم القضية الفلسطينية ، وهذا النموذج المتوقع هو القادر على مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بالأمة العربية ، وسيبني تحالفات مع القوى الإقليمية الكبيرة على اساس متوازن وليس على أساس التابع والمتبوع ومن هنا نفهم غضب بعض القوى الإقليمية مما حدث في مصر .
سيبقى الأمل في غد أكثر إشراقا بالرغم من ألم المخاض الذي تحياه الأمة .
م. عمـــاد عبد الحميد الفـالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت