قبل عدة أيام عقـدت أطراف مايسمى "مبادرة جنيف" لقاءً تطبيعياً بامتياز في مقر منظمة التحرير الفلسطينية مرّ بصمت شبه تام بلا ردود افعال تذكر إلا ماندر بما في ذلك مواقف فصائل العمل الوطني دون معرفة الأسباب إن كان ذلك ينسجم مع أجواء اللا مبالاة السائدة أو السكوت الذي يعبّر عن علامة الرضا ، سبقه لقاء أخر قبل يوم واحد في قاعة الكنيست الإسرائيلي مع أحد وزراء السلطة الفلسطينية السابقين بالرغم من الخطورة البالغة المترتبة على إحياء مشاريع هابطة سبق لها أن صبّت الزيت فوق نار المشهد الفلسطيني المرتبك كما أنه يمنح حكومة الإحتلال حوافز لايستحقّها تستخدم للدعاية الزائفة في تضليل المجتمع الدولي بدعـوى الإلتزام بالتسوية السياسية بعد أن اعلن اقطابها على الملأ مرات عديدة موت العملية السياسية من جذورها، هذا اللقاء ضمّ أعضاء مركز حزب الليكود اليميني المتطرف الذي يتزعمه رئيس حكومة المستوطنين نتنياهو الساعي ليل نهار إلى التنكر للحقوق الفلسطينية ، وحركة شاس العنصرية بقيادة الحاخام المريض "عوفاديا يوسف" المليء بالحقد والكراهية حيث نضح إناءه بما يجيش به صدره من سموم تجاه الشعب الفلسطيني الذي وصفه غير مرةٍ بالأفاعي والحشرات فضلاً عن قوله أن الفلسطيني الجيد هو الميت من بين أمورمقززة أخرى كان قد تلفّظ بها، بينما استقبل الوفد بالترحاب من الجانب الفلسطيني الذي دعا بالشفاء العاجل للأب الروحي لحركة شاس العنصرية ، وتلك مفارقة يتمنى المرء لو لم يسمعها أو يراها إلا إذا اعتبرها ساسة هذا الزمان العجيب من باب الفهلوة السياسية ، لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل ذهب أحد المحللين السياسيين إلى اعتبار اللقاء بأنه انجاز غير مسبوق أن يأتي أعضاء شاس والليكود الى أحد المقرات الرسمية ويجلسوا تحت صورة الزعيم الخالد ياسر عرفات !!
كما حضراللقاء أيضاً العديد من الشخصيات الفلسطينية الرسمية والإسرائيلية الذين ساهموا بصياغة مقاربات مشتركة لحل قضايا الوضع النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تم التوقيع عليها بشكل غير رسمي في الأول من ديسمبر عام 2003م اطلق عليها "مبادرة جنيف" في إشاره إلى المدينة التي رعت الإتفاق المذكور أثارت حينها جدلاً واسعاً في أوساط الجمهور وأبناء المخيمات على وجه الخصوص والفعاليات السياسية على مختلف مشاربها خاصةً مايتعلق منها المساس بقضية حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردّوا منها ، لاشك أن اللقاء جاء بمثابة مفاجأة غير سارّة للوضع الفلسطيني الملتبس والمأزوم إذ ليس بمقدور منظمي الإجتماع تبرير انعقاده وماهي الأهداف المرجوّة من وراءه ، في الوقت الذي تصعّـد حكومة الإحتلال عدوانها الشرس على الشعب الفلسطيني وتستبيح المقدسات وتصادر الاف الدونمات وتطرح المناقصات للبناء الإستعماري الإستيطاني بوتائر لم يسبق لها مثيل على كافة الأراضي الفلسطينية كان أخرها ما أعلن عنه "يسرائيل كاتس" وزير المواصلات بناء عشرة ألاف وحدة استيطانية في القدس وعموم أراضي الضفة الفلسطينية ، كما تتعالى أصوات وزراء إئتلاف حكومة الإحتلال بشكل لا يقبل التأويل تؤكد جميعها تجاهل الحقوق الفلسطينية السياسية والتاريخية ، تتزامن مع إرهاب مليشيات المستوطنين المنفلت الذي يقف خلفه أجهزة الأمن الداخلي الإسرائيلي ضـد المواطنين الأمنين وممتلكاتهم وتدنيس مقدساتهم كما أكدّها أحد الحاخامات الذي قال أن جهاز الشاباك يدفع المتطرفين لإقامة الشعائر الدينية عند حائط البراق ودخول المسجد الأقصى بحماية تامة ورعاية جيش الإحتلال .
لقد أدمنت الحالة الفلسطينية السائبة دوّامة التجريب واستقبال المبادرات من كل حدبٍ وصوب يجمعها عنصر مشترك وحيد وهو الإنتظار يليه الإنتظار الذي لا يستفيد منه سوى الإحتلال لتكريس سياسة الأمر الواقع ، فلا المصالحة الفلسطينية أخذت طريقها إلى التنفيذ وفق الجداول الزمنية "المتحركة" المتفق عليها في القاهرة نتيجة حسابات الطرف المعطّل لإنهاء الإنقسام وتغليب رؤيته الخاصّة على ضرورات المصلحة الجمعية، وربما تكون المصالحة برمتّها أضحت طي النسيان إذا غابت الحكمة في مثل هذه الظروف البالغة التعقيد ، مع أن القراءة الموضوعية للأشياء تفتح أفاقاً رحبة أمام العودة إلى الحضن الفلسطيني بعد التطورات التي تشهدها مصر المحروسة إثر خروج الملايين إلى الميادين لتصحيح مسار ثورة يناير، ولا قدمت جولات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي المكّوكية شيئاً يمكن البناء عليه عدا عن ترويج مشروع السلام الإقتصادي وفق الرؤيا الإحتلالية لكنه اصطدم بجدار الفشل ولم يكتب له النجاح بما يحمله من مغالطات وخلط لأبجدية المفاهيم التي ترنو اليها التطلعات المشروعة بالحرية من جبروت الإحتلال أولاً وليس العكس ، ثمة مايظهر أن إصرار السيد كيري تكرار محاولاته لجسر الفجوة جعله على مايبدو المتفائل الوحيد لحدوث تقدم يعيد الأطراف إلى مائدة التفاوض العبثي من خلال الضغوطات والقفزعلى المحددّات الضرورية التي اجمعت عليها المؤسسات والأطرالفلسطينية المختلفة ، وهو مابات يخشاه الكثيرون جراء إطلاق بالونات الإختبار التمهيدية الأفقية كمقدمة لما بعدها على غرار مايحدث من لقاءات تطبيعية لاطائل منها سوى تعميق الهوة داخل الصف الوطني وإشاعة مناخ الإحباط الشعبي العام .
ان تفاعلات المشهد العربي المنكفيءعلى ذاته الذي لم تتحدد ملامحه بعد يتطلب أقصى درجات الحذر وإعادة النظر بالخطوات المحسوبة الواجب اتخاذها عبر المؤسسات الوطنية للحفاظ على مكتسبات الشعب الفلسطيني من خلال النأي بالنفس وعدم زج شعبنا في أتون الصراعات الداخلية للدول العربية وكذلك عدم السماح لأيٍ كان وضع شعبنا رهينة المواقف الأيديولوجية أو الحزبية تجعله يدفع أثمان باهضة وتبقيه عرضةً لأهداف جهات غير بريئة للنيل من صمودة وحرفه عن بوصلته المتجهة إلى تحرير أرضه وبناء دولته المستقلة ، وبالتالي لابد من رسم استراتيجية صمود وطنية ومغادرة العقلية التجريبية والتفرّد بالقرار تحدّد ملامح المسارالكفاحي والسياسي للمرحلة الراهنة والمستقبل تستند إلى عوامل تثوير الطاقات الشعبية الكامنة وتنهي الإنقسام وتستثمر الإنجازات المحقـّقة على المستوى الدولي في مقدمتها الإنضمام إلى الوكالات الدولية المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة كأحد أشكال الصراع على المستوى الدولي الذي يجرّم الإحتلال بكونه يشكل جريمة حرب وفق القوانين الدولية المرعية ، لم يعد ممكنناً القبول بما ألت إليه الأوضاع الراهنة لأنها ربما تكون لحظة الهدوء التي تسبق العاصفة وفلسطين كانت على الدوام أم البدايات وأول الثورات ....أن لهذا العبث بالمصير الفلسطيني أن يتوّقـــف ....
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت