المجتمع الدولي وازدواجية المعايير تجاه عزل مرسي

بقلم: فهمي شراب


مقدمة:
تعتبر المواقف الدولية حول ما جرى في مصر بعد 30 يونيو من عزل الرئيس محمد مرسي من الأهمية بمكان، حيث تتحدد بناء على هذه المواقف مصائر أنظمة، ومستقبل شعوب، كما تتحدد أيضا مدى شرعيتها وعلاقاتها بدول الجوار ودول المجتمع الدولي كافة، ومصر تحديدا تعتبر من أهم الدول العربية لموقعها الاستراتيجي والجيوبوليتيكي المتميز، كما أنها تقع على البحرين الأبيض والأحمر ويمر بها نهر النيل، وتقع في قارتين، وتعتبر مدخلا لدول إفريقيا، هذا كله يعطيها أيضا أهمية عظمى في حركة التجارة العالمية وإمكانية التحكم فيها خاصة إذا أضفنا إليها وجود قناة السويس.

وقد تميزت مواقف الدول بتفاوت كبير تجاه أزمة عزل الرئيس مرسي، فبعض الدول اعتبرته انقلابا، وبعض الدول ركبت موجة ما سمي بـ"الشرعية الشعبية"، واعتبرته استكمال لثورة 25 يناير، ولم تعتبره انقلابا، ولم تغب محددات أساسية من وراء هذه المواقف التي قد تتمثل في مصالح تلك الدول وعقائدها السياسية التي قد تخالف قيم الديمقراطية أحيانا.

ومصر أيضا محل اهتمام دولي لما يمكنها القيام به من دور إقليمي هام في منطقة الشرق الأوسط، ولما لها من تشابك مع المؤسسات الدولية وانخراط تاريخي في المنظمات الدولية الحكومية والغير حكومية. لذا، فهي تحظى باهتمام دولي كبير، ومحط أنظار القوى الدولية.

أولا: قيادة الجيش المصري تقرر:
أثار إعلان قرار الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة بتنحية الرئيس المنتخب منذ عام فقط د. محمد مرسي وتعطيل الدستور، وتولية رئيس مؤقت يتولى إدارة البلاد لحين إجراء انتخابات مبكرة موجة عارمة من ردود الفعل الإقليمية والدولية ، إضافة إلى ظهور إرهاصات دوائر عنف ورد فعل داخلي قد يعصف بالبلاد، ويدخل مصر في آتون حروب أهلية تنتهي بمصر إلى مفهوم " الدولة الفاشلة" failed state"" التي تخسر بموجبها الكثير من الامتيازات في المجتمع الدولي والمنظمات الدولية كما حدث من تعليق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، كما وتفقد بهذا الحدث الدراماتيكي الذي يضرب أسس الديمقراطية سمعتها كدولة إقليمية وإستراتيجية فاعلة، إضافة إلى فقدانها للــــ "القوة الناعمة" التي تتغنى بها. كما أصبحت مصر الآن في عيون أعدائها التاريخيين بأنها تعيش حالة – الفوضى- أفضل من حالة مصر تحت حكم الإسلاميين، الذين يعتبرون خصوم تقليديين للدولة الإسرائيلية. حيث تقول مصادر بحثية لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي بان " مرسي" سوف يغير من قواعد التعامل مع إسرائيل لصالح القضية الفلسطينية وسوف – عندما تتعزز سلطته ويحقق بعض النجاحات الداخلية- يعيد النظر في اتفاقيات السلام مع إسرائيل.

وقد استند الجيش المصري إلى مظاهرات كبيرة الحجم للمعارضة خرجت في 30 يونيو تطالب بتنحية مرسي، يقول المراقبون أن الإعلام المصري الخاص والفضائيات التابعة لشخصيات معادية للإخوان، عملت بشكل محموم على التحريض ضد الرئاسة وضد جماعة الإخوان، وإثارة الشعب على الخروج في مظاهرات شعبية والشروع في عصيان مدني لإسقاط جماعة الإخوان بتهمة أن الرئيس ضعيف، وليس له كاريزما تارة ، وتارة أخرى بتهمة سيطرته على مقاليد الحكم وبأنه فرعون دكتاتوري يعمل على أخونة الدولة!

ثانيا: حكومة مرسي وتجارب حكومات مشابهة:
كثير من الدول الغربية ومنها على وجه الخصوص الدول اللاتينية ( أمريكا الجنوبية) واجهت ظروف مشابهة، حيث خرجت مظاهرات مشابهة لما حصل في مصر وطلبت الشعوب تدخل الجيش بسبب ممارسات الحكومات، ولكن لم تتم محاصرة نتائج انتخابات حديثة والانقلاب على ابسط أسس الديمقراطية، حيث يرى كثير من الغربيين ان حكومة الرئيس محمد مرسى تختلف بعض الشيء عن الحكومة التي كان يرأسها جون بيرون في الأرجنتين , أو هوجو تشافيز في فينزويلا و تاكسين شيناواترا فى تايلاند، كما تعتبر التجاوزات والأخطاء التي وقعت فيها حكومة مرسى في مصر أقل بكثير من تلك التي وقعت فيها نظيراتها في فنزويلا وتشيلي، وان الرئيس لم يقوم بإنشاء جهاز امني خاص به أو تشكيل ميليشات مسلحة أو جماعات مسلحة تقوم بحمايته عند حدوث اي طارئ يهدد أمنه الشخصي!

ثالثا: لماذا تعاملت الولايات المتحدة مع حكم الإخوان؟
لقد مرت الولايات المتحدة بتجارب مع الإسلاميين في العديد من المناطق في العراق وأفغانستان وقبلها في الصومال، حيث قامت بإرسال جيوش عادت مهزومة و لم تحقق أي نتائج سحرية، كما كانت تتوقع،، وجربت مع حركة حماس الحصار سنوات عديدة، فلم تحقق النتائج المرجوة والمعلنة في شروط الرباعية. وبدأت تدرك أن فكرة السماح للإسلاميين بالمشاركة في الحكم لن يضر بمصالحها في المنطقة، على عكس ما دعا إليه المفكر اليميني المتطرف " صاموئيل هانتنجتون" في معرض حديثه عن صراع الحضارات،، وخاصة ان الولايات المتحدة وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، اقتربت أكثر من الإخوان في مصر لتستطلع أرائهم فوجدتهم جماعة تنبذ العنف، وتختلف عن الجماعات الدينية المتشددة الأخرى. وقد مارست مجموعات من الليبراليين المنتمين للحزب الديمقراطي ومن صناع القرار الأمريكي المقربين من الرئيس اوباما كثير من الضغط ،ورسخوا لديه قناعة بضرورة منح الإسلاميين فرصة للحكم، وعدم تكرار خطأ إيران التي دخلت الولايات المتحدة في علاقات صراع معها وتوتر منذ نجاح الثورة الإسلامية فيها عام 1979، إضافة إلى ان ما تلعبه مصر كـ "دولة مستقرة" من دور إقليمي هام يخدم النظام المتمثل في النظام الدولي ككل، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

أيضا وجود تصورات لدى الليبراليين المنتمين للحزب الديمقراطي، والمتنفذين في وزارة الخارجية الأمريكية والمقربين من الرئيس أوباما، ترتكز على قناعة مفادها أنه لا بد من منح الإسلاميين في مصر فرصة، وعدم تكرار الخطأ الإيراني، وأن ما يهم هو استقرار مصر، والتواصل مع الجماعة التي تحكم مصر. وكان هناك انطباع أيضا بأن المعارضة تستهدف الإخوان كإخوان، وليس سياسات الإخوان ، و هذه الميول "الإقصائية" التي لدى المعارضة لا تعبر عن الأدبيات الحقيقية للديمقراطية.

رابعا:الموقف الأمريكي من عزل الرئيس:
تتباين المواقف الدولية تجاه الأزمة المصرية، فيبدو التغير في الموقف الأمريكي واضح، فالموقف الأمريكي تجاه أي أزمة يعتبر هام جدا، فهو يحدد أحيانا مستقبل نظام معين أو جماعة معينة، كما يعتبر " ختم" الشرعية الذي قد يؤكد شرعية نظام ما من عدمه، حيث تميز الموقف الأمريكي بداية بالحذر الشديد، بينما بدأ يتضح أكثر في تصريحات الخارجية والرئاسة بعد رؤية الأعداد الكبيرة للمتظاهرين حيث أدرك ان مجرى الأحداث السياسية لن يعود الى ما قبل 30 يونيو. فبعد إعلان عزل الرئيس في 3 يوليو تم إخلاء السفارة الأمريكية من جميع موظفيها، وعبر باراك اوباما عن "قلقه العميق" من عزل القوات المسلحة لمرسي ودعا إلى عودة سريعة الى المدنية والديمقراطية.

وبذلك فقد امتنعت الولايات المتحدة عن وصف ما قام به قيادة الجيش بالانقلاب، وهو وصف من المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات على دولة ذات أهمية إستراتيجية ولها دور إقليمي صاعد، حيث لمصر أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مع عدم إغفال فكرة أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة وان إسرائيل تربطها بمصر اتفاقيات سلام تأمل الولايات المتحدة ان يكون لدى مصر نظام مستقر – بغض النظر عن من يحكم- لكي يضبط الأمن مع حدود إسرائيل وخاصة في شمال سيناء والعريش. وتأكد ذلك في تصريحات لاوباما حيث حذر من أن " عدم الاستقرار في مصر قد ينتقل إلى المنطقة المحيطة".

إذن، فالموقف الأمريكي والذي تساوق معه موقف الأمم المتحدة، جاء براجماتي فج، ولم يسمي ما حدث انقلاب، ويتفق هذا الموقف مع الكثير من الجمهوريين الذين كانوا يضغطوا على اوباما بان يعيد النظر في علاقاته مع الإخوان وان يتخذ مواقف صارمة تجاههم.
وهذا لا ينفي ان غالبية المنظمات الحقوقية أدانت عزل مرسي وأسمت ما جرى "انقلاب" صريح، حيث ترى عدة صحف أمريكية أيضا بان " عزل الرئيس" يعتبر أكثر أصولية من أي من الصراعات التي قادت إلى وقوعه.

خامسا: الموقف الأوروبي من عزل الرئيس:
تميز موقف الاتحاد الأوروبي بالمتناغم مع الموقف الأمريكي تماما، حيث دعت مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى "العودة سريعا إلى العملية الديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة ". ولم تذكر كلمة " انقلاب". وهذا يعني ان هذا الموقف يظهر ان الغرب لا يتمسك بأدبيات الديمقراطية والياتها في سبيل تحقيق مصالحه. ويؤكد على استعمال مفهوم " المعايير المزدوجة". وفي هذا الصدد يبرز الموقف التركي الذي لم يكتف بوصف ما حدث بالانقلاب، بل وجه النقد للاتحاد الأوروبي على عدم احترامه لنتائج الانتخابات وللديمقراطية. وبما ان دول الاتحاد الأوروبي ليست كلها متجانسة، ولدى بعضها مواقف تتفاوت، فان موقف ألمانيا تميز بالوضوح وبرفض ما حدث تماما واعتباره انقلابا، حيث اعتبرت الانقلاب "فشلا كبيرا للديمقراطية" ودعت إلى "عودة مصر في أسرع وقت ممكن إلى النظام الدستوري.

وذلك كله لم يمنع من ان غالبية الصحف الغربية اعتبرت من ان ما حدث هو انقلاب وضربة قاضية للديمقراطية في المنطقة، وان "النظام القديم عائد، وفرحة 30 يونيو لن تدوم طولا" حسب ما أوردت صحيفة الجارديان البريطانية.
وذكرت الصحيفة أن 'الانقلاب العسكري' له فائدة واحدة، وهي أنه أوضح في أي جانب يقف كل شخص؛ فالليبراليين والقوميين والسلفيين ورأس الكنيسة القبطية انضموا إلى جانب الدولة العميقة التي لم يتم إصلاحها.

خلاصة: وأخيرا، وفي ظل تداعيات المشهد المصري الأخير، سيكون أي حديث أمريكي أوروبي عن الديمقراطية والإصلاح السياسي فارغا وغير مقنع لدى المجتمعات العربية عموما والتيارات الإسلامية على وجه التحديد، حيث تبدت الصورة واضحة أن الولايات المتحدة وأوروبا تمارس أعلى درجات النفاق السياسي والانتهازية، وذلك بعد أن ألقت بنتائج الانتخابات في سلة المهملات، وداست على أهم قيمها الغربية المتمثلة في احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.

بقلم:د. فهمي شراب
*دكتوراه علاقات دولية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت