يصر بعض ممن حرفت أحداث "الثورة" في مصر أبصارهم وبصيرتهم، على تحويل ساحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة، إلى منبر للتهريج وبث الفرقة بين أبناء الدين الواحد، والشعب الواحد.
منذ أسابيع، وللمرة الأولى ربما في تاريخ فلسطين الحديث، أو على الأقل الذي تلا احتلال الضفة الغربية عام 1967، يصر بعض من هؤلاء على ممارسة طقوس الشعوذة الغريبة والجديدة على ثقافة أبناء فلسطين، طقوس غير مألوفة لم نعهدها من قبل في هذا المكان، الذي يفترض انه مهوى لقلوب المؤمنين من أبناء ألإسلام.
"لم تعد أيام الجمعة في رمضان لهذا العام كما كانت عليه كل "الجمع" في "الرمضانات" السابقة، وبعدما كان الذهاب للصلاة في القدس أحد "الأمنيات" التي يتمناها أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة، صارت الزيارة للأقصى تثير الكثير من المشاعر المتناقضة" هكذا تحدث أحد الأصدقاء الذين ذهبوا للصلاة بمسجدها المبارك للجمعة الثانية على التوالي.
وأضاف قائلا " شعور مليء بالألم انتابني كما الكثيرين ممن اعرفهم، أناس تتنافس فيما بينها لرفع الرايات والصور والشعارات التي لا تعلم كيف تأتي ومن أين تأتي ومن أتى بها، مظهر غريب لم نألفه من قبل، ترى ماذا كان يمكن أن نفعل "ببعضنا" لو كنا من طوائف مختلفة، وإذا كان هذا هو حالنا ونحن جميعا من نفس المذهب ونؤمن بنفس الإله، وبذات الرسول، ترى كيف سيكون عليه الحال لو كنا أمما وطوائف ومذاهب مختلفة".
بعد صلاة الجمعة الثانية في الأقصى، تجمعت الحشود التي يهتف كل منها على ليلاه، فهذا يؤيد مرسي ، وذاك يهتف ضده، وثالث يطالب بعودة الخلافة، والغالبية من الناس في دهشة أو صدمة لما يجري على ارض المسجد الأقصى الذي تئن جنباته من حفريات الاحتلال التي تهدد أساسته أو تحويله إلى هيكل يهودي مزعوم.
الذين يحاولون تبرير كل هذا التهريج الذي يجري على ارض الأقصى، هم السبب في فتنة سوف نشهد آثارها في وقت لن يكون بعيدا، وهم الذين سيكونون المسؤولين عما سيحدث من صدامات أو أية أعمال عنف بين أبناء الشعب الواحد، خاصة في ظل بعض الهتافات التي حدثت من البعض ضد البعض، وهذه الأحداث سوف تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، بسبب من يعتقدون انهم حماة الإسلام وجنود الله على الأرض.
القدس كانت دوما مهوى الأفئدة سواء المسلمة أو المسحية، وحتى تلك القلوب غير المؤمنة، التي تتعامل مع القدس بما لها من رمزية لا يمكن تجاهلها، سواء أقر الذين ينكرون على غير المؤمنين ذلك أم لم يقروه، فللقدس في نفوس الجموع كلها وقع مختلف، لكن غير مختلف عليه، القدس تشكل رمزية لا يمكن لأي من مدن فلسطين ولا حتى العالم أن تشكلها في نفوس الفلسطينيين وكل من هواه فلسطيني أو إيماني.
هذا الإصرار من البعض الذي يريد أن يجر القدس لكي تكون مركزا للخلاف بدلا من موطنا للإجماع، لن يكون مفيدا لأحد سوى لدولة الاحتلال وغلاة الصهاينة ولأعداء الأمة، وقد يصبح ما يجري من تهريج في ساحات المسجد الأقصى أحد المبررات التي تتخذها دولة الاحتلال للمزيد من السيطرة والإجراءات غير المقبولة، فمن سيكون المسؤول عن ذلك سوى مجموعات المهرجين الذين يحاولون إقحام هذا المكان في خلافات نحن والأقصى والقدس وكل فلسطين في غنى عنها.
ليس صحيحا ما يدعيه البعض من ان الناس تختلف وتقوم بذلك بشكل حضاري، لان الناس غير سعيدة بما يدبر للأقصى، وهي غير راضية عما يجري من تهريج على أرضه، ويمكن للناس ان تمارس خلافاتها خارج ساحات الأقصى لو كان هذا الحديث صحيحا، فهل ضاقت الدنيا على هؤلاء بما رحبت ولم يبق إلا ساحات وجدران الأقصى ليكون مكانا للشعارات والصور والمهاترات.
فلسطين ليست بحاجة لمزيد من الانقسام، وعلى الذين يمارسون جنونهم هذا، أن يتركوا الأقصى وساحاته وجنباته، حتى لا يكون رمزا للمزيد من الانقسام، دعوا هذا المكان بما فيه من قدسية، خلوه رمزا للوحدة بدلا من جنون الاستقطاب وتعميق الانقسام، ما يجري في الأقصى غير صحيح ومعيب ومسيء، وعلى العقلاء وضع حد لهذه المهزلة التي من الواضح انها تتجه إلى مزيد من الاستشراء.
20-7-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت