تطلُ علينا فتاوى تُخبِرنا أن: شُرب بعضاَ من الماءِ في رمضان، لا يُفطر؛ إن كان الصائم يعاني من شدة الظمأ، والتدخين في شهرِ رمضان، لا يُفطر؛ كونة يذهب إلى الرئة وليس للمعدة. وأيضاً مصطلحات جديدة لإصطلاحات جديدة، على مستوى الاستحداث اللغوي للمصطلح، أو على مستوى إعادة الاستخدام بكثافة في الوقت الحالي مثل : جهاد النكاح ، تكفير الأشخاص، المتدينين الجدد، المتأسلمين. فتاوى كثيرة، ومصطلحات أكثر، وعجرفات فكرية، لا يكاد العقل أن يدركها إلا في إطار التخريب الذي سوف يؤسس لاحقاً لجيل لا يستطع التفريق بين الغث والسمين، بين الثرى والثرية، بين الباطل والحقيقية.
وكل ما أريد قوله في هذا السياق لإصحاب هذه الفتاوى، إن كان رمضان ثقيل على قلوبكم، ومستفز لغرائزكم الحيوانية؟! فأتركوه، كما هو، فإن أردتم، صوموا،إن أردتم، فافطروا ... ولكن لا تستحدثوا فتاوى ممسوخة غير منطقية، بالبلدي: بلا مسخرة .
أما الذين قالوا أنهم خرجوا للجهاد في سبيل الله في بعض الدول، فمن الأفضل أن يقولوا أنهم خرجوا للدفاع عن مصالحهم، أفكارهم، سياساتهم، وليس لله علاقة بالأمر، كي يأتوا بفتاوى ( جهاد النكاح) ليلصقونها بدين الله.
أما مسألة التكفير واللعن التي تظهر بشكل فظ في الإعلام والخطابات الجماهيرية، فإن كان هناك خلاف سياسي، فكري مع طائفة ما، أوشخص ما ، فما علاقة هذا الاختلاف بالتكفير واللعن، وتعميق الفجوة، والفرقة بين الناس، وفي هذا السياق يذكرني قصة طريفة حدثت مع الإمام أبي حنيفية: عندما دخل عليه طائفة من الخوارج فقالوا: له يا أبا حنفية نسألك مسألتين فإذا أجبت نجوت. فقال: وما هما؟ قالوا: جنازتان على الباب: إحداهما رجل شرب الخمر فمات وهو سكران، والأخرى إمرأة حملت من الزنا فماتت أثناء ولادتها قبل التوبة، أهما كافران أم مسلمان ؟ قال: من أي فرقة كانا ؟ أهم من اليهود ؟ قالوا : لا ، قال: أمن النصارى؟ قالوا: لا، قال: ممن كانا؟ قالوا: من المسلمين، فقال: لقد أجبتم.
وعلى الجانب الآخر، نجد مصطلحات أخرى مثل: المتدينين الجدد، والمتأسلمين، إن هذان المصطلحان قديمان، ولكن من جديد يتم استخدامها بشكل مكثف عند المثقفين في وسائل الإعلام، وعبر التغريدات والبوستات، على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة، والغريب في الأمر أنني في غاية الإستغراب من عملية استخدام هذه المصطلحات، فإن كان الجَمُع الحالي من المتدينين الجدد والمتأسلمين، فمن هم يا ترى الشيوخ الأوائل؟ ومطلقي هذه التسميات من أي فئة هم يا ترى؟ وما علاقة التدين والإسلام بالخلافات الناشبة بينكم؟ أنني أفهم أن المصطلحان فيهما من الحذق ما يكفي، وكأنهما يقولان ليس هذا في الإسلام من شيء، أي يدافعان عن الإسلام الحقيقي، ولكني في ذات الوقت، أرى فيهما سوء في الاستخدام من حيث موضعهما في الكلام، وبيانهما في المقال، فيبدو الأمر شراً، والمضحك في الأمر أن المتعلمين الجدد ( على نفس الوزن) يُصبح شغلهم الشاغل ليس القضية محور النقاش، أو الخلاف، بل تلك المصطلحات التي يتم ترديدها في كل مقال ومقام.
وعلى الرغم، أننا نعيش ظروفاً استثنائية على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، والسياسي، وكلها، والحمد الله، رديئة بامتياز، فبدل الاهتمام بإحداث تنمية حقيقية في تلك المجالات، تستميلنا تلك المصطلحات، والفتاوى، بقصد إحداث مزيداً من الفرقة وتحقيق مبدأ التشرذم، الذي لن يصب إلا في مصلحة مدرسة التجهيل الشعبي للبسطاء.
وبغض النظر عن رأيي المتواضع أعلاه، في الأمر، فإن كنتم على حق، فتجادلوا في الإجراءات على الأرض وفندوا المصالح فيما بينكم، وحددوا مرجعياتكم التي تنطلقون منها بشكل واضح، إن كنت تسطيعون، وأتركوا الدين كما هو، فهو يسير على الفهم، لا يحتاج مزيداً من التوضيح من قبلكم، واتركوا المصطلحات، التوصيف، والشخصنة، لكي لا نُدخل الناس في انزلاقات الخربشات الفكرية، ونضعهم على باب تجميد الاستقلالية الفردية، وترسيخ مبدأ التبعية، فيكفي هذه الأمة ما تعيشه من تشويش عام، وتسطيح للمفاهيم والتوجهات، وتجذير للفرقة، والتكالب على مصالحها، ليصابوا أيضاً في دينهم، وفي مفاهيمهم البسيطة عن الحياة، إننا أمام جبل هائل من النتوءات، وأخشى ما أخشاه، أن نتحول إلى فرق ليس على أساس الحزب والتوجهات الفكرية، بل على أساس الفتاوى والمصطلحات، فنًصاب بمسخ في مفاهيمنا وحياتنا، لنصبح بعد برهة من الزمن تماماً، كما السلحفاة التي حاولت تقليد الأرنب وبعد عدة محاولات، لم تستطع أن تصبح أرنباً، فأرادت العودة إلى طبيعتها، فلم تستطع، فصارت في ما بينهما، فأطلق عليها أحد المتفرجين اسم جديد (سُلحفأنب) فاستدعى المشهد القول: بلا مسخرة.
الكاتب الفلسطينى – حسام شحادة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت