الأسرى ثم الأسرى، وسحقاً للمفاوضات

بقلم: فايز أبو شمالة


منذ قديم الزمان، وفي كل البلاد التي التف حبل الهزيمة حول عنقها، أو انتصرت على عدوها، كان إطلاق سراح الأسرى مقدمة أساسية لوقف إطلاق النار، والبدء في التفاوض، حدث ذلك بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعد وقف إطلاق النار في حرب فيتنام، وبعد حرب أكتوبر مع الصهاينة، وبعد توقف الحرب العراقية الإيرانية، فلماذا لا يطبق على الأسرى الفلسطينيين ما يطبق بين حروب الآخرين، وبين صراع الإنس والشياطين؟
إن استئناف المفاوضات على حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، دون الالتزام الصهيوني بحدود 67، ودون الالتزام الصهيوني بالوقف الكامل للاستيطان، كما اشترط محمود عباس، لا يشكل ـ من وجهة نظري ـ مأساة للقضية الفلسطينية التي لن ترى شمس الحرية من خلال المفاوضات، ولكن استئناف المفاوضات، والحرص على التهدئة دون تبيض السجون، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين فيه استخفاف من القيادة السياسية بإنسانية الإنسان، وفيه تحقير للمقاومة التي أقتنع فيها الأسرى، وفيه كذب وتدليس على الشعب الذي صفق وهلل وهتف بحياة محمود عباس حين قال: لا استئناف للمفاوضات دون إطلاق سرح الأسرى.
وللتذكير، فقد تفاخر محمود عباس أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه لم يحتفظ بأي أسير يهودي، وانه أطلق سراح مئات اليهود الذين ضلوا طريقهم، ووقعوا أسرى لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولم يشترط محمود عباس تحرير أي أسير فلسطيني مقابل إعادة اليهود إلى أهلهم، بل تمادي محمود عباس، حين قال لليهود: لم نلجأ في الضفة الغربية إلى خطف الجنود، مثلما فعلت حركة حماس، التي أجبرتكم على إطلاق سراح الأسرى بالقوة، نحن نطلب منكم إطلاق سراح الأسرى بشكل حضاري. فأين هو الحضاري؟ وأين الإنساني، وأين الوطني؟
لقد وافقت القيادة على استئناف المفاوضات مقابل إطلاق سراح 82 سجيناً فقط، وعلى دفعات مقرونة بتقدم المفاوضات، لذلك سنخرج في منتصف الليل، وندعو الله أن تنجح المفاوضات من خاطر الأسرى، بل سنضغط على المفاوض الفلسطيني أن يتنازل عن الأرض لكي تنجح المفاوضات، ويتم إطلاق سلاح الدفعة الثانية من الأسرى.
ولكن ما يزيد الطين بله، أن السيد عباس وافق على استئناف المفاوضات بعد أن تخلى عن أسرى فلسطين المغتصبة سنة 48، أولئك الرجال الذين أعلنت إسرائيل بأنها لن تفرج عنهم مطلقاً، فهم شان داخلي إسرائيلي، أولئك الأسرى الذين صدقوا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حين قالت لهم: إن فلسطين من النهر إلى البحر، ولن نعترف بإسرائيل، والمقاومة المسلحة هي طريقنا لتحرير فلسطين، كل فلسطين.
لقد استهجن هؤلاء الأسرى سلوك القيادة الفلسطينية، فاستغاثوا، واستنجدوا بالشعب الفلسطيني والأمة العربية، وصدر عنهم بياناً يشعل القلب ناراً وحقداً، حين قالوا فيه: أسرى الـ 48 ليسوا قضية إسرائيلية داخلية، بل مسألة ومسؤولية فلسطينية وعربية بامتياز, وما الاستسلام للإملاءات الإسرائيلية والتسليم بها إلا طعنة للحق الفلسطيني، وتنكراً لتضحيات شعبنا وتاريخه الكفاحي.
فمن لهؤلاء الأسرى؟ وكيف تجرؤ هذه القيادة على أن ترفع رأسها، وأن تفتح عينها في وجه الناس، وتتحدث إليهم عن الوطنية والإحساس، بعد أن تخلت عن أسرى 48؟ وهل تشتري كنوز الأرض ومعاهداتها ثلاثين سنة من عمر الأسير؟ وماذا تبقى لهؤلاء الأسرى من أمل بالحرية، وقد شطبتهم الصهيونية من قائمة الأحياء، وقتلت في نفوسهم الرجاء، بعد أن ضمنت موافقة القيادة الفلسطينية على استئناف المفاوضات دون وجل أو حياء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت