لو كانت مصر شأناً مصرياً خالصاً، لكانت جريمة احتلال القوات الأمريكية للعراق وتدمير مقدراته شأناً عراقياً خالصاً، لا انعكاس له على الواقع العربي، ولصار اغتصاب فلسطين وطرد مواطنيها إلى الدول العربية شأناً فلسطينياً خالصاً، لم يؤثر على الشرق العربي برمته، ولصار تمزيق السودان على يد المخابرات الإسرائيلية شأناً لا يهم غير السودانيين.
لو كانت مصر شأناً مصرياً خالصاُ ـ كما يحلو للبعض أن يردد ـ فمعنى ذلك أن مفهوم الأمة بشقة القومي والديني لا قيمة له، ولصار التشرذم الذي أسس له أعداء العرب والمسلمين "سايكس وبيكو"، هو الجذر التربيعي لحياة العرب.
إن نظرة سريعة للتاريخ الحديث لتشير إلى أن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات سنة 1979، والتي أخرجت مصر من دائرة الصراع مع الصهاينة، قد سهلت على الصهاينة عدوانهم على لبنان، ومن ثم ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت سنة 1982. لقد عززت اتفاقية كامب ديفيد قناعة الصهاينة بحقهم التاريخي في فلسطين، وحقهم في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
لقد كان للعدوان الأمريكي على العراق سنة 1992 تأثيراً سلبياً على القضية الفلسطينية، حيث تعالت الصيحات المطالبة بالذهاب إلى مؤتمر مدريد كخيار عربي وحيد، وقد سهل الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، لقد سهل على شارون اقتحام مدن الضفة الغربية، وتدمير انتفاضة الأقصى، وتصفية الرئيس الفلسطيني أبو عمار.
لو كانت مصر شأنا ًمصرياً خاصاً لما طار الملك عبد الله ملك الأردن إلى مصر في زيارة خاطفة، ولما باشرت السعودية في تقديم الدعم المالي لمصر مجرد الاطاحة بالرئيس المنتخب، ولما جاء مسرعاً لزيارة مصر رئيس الأركان الإماراتي، ولما خرجت مظاهرات الشبيبة في رام الله داعمة للفريق عبد الفتاح السيسي. ولما صار التواصل مع حركة المقاومة الإسلامية حماس عملاً جنائياً، وجرماً يحاكم عليه رئيس مصر المنتخب.
إن الذي يجري على أرض مصر شأن يهم كل العرب والمسلمين، وله أبعاده الاستراتيجية على المنطقة برمتها لسنوات عديدة، وغافل من يغفل عن أحوال الناس في فلسطين، وهم يبيتون ويصحون على الهم المصري، وقد نسوا أنفسهم ومأساتهم، وراحوا يتابعون أحداث مصر أكثر من المصريين، ويتبادلون فيما بينهم حديث المرأة المصرية الثائرة أسماء محفوظ، وحديث المرأة اليمنية الحرة توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وهي تقول: أنا في طريقي إلى ميدان رابعة العدوية، لا استطيع إلا ان أكون مع الأحرار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت