لا شك نحن نمر في مرحلة مختلفة من تاريخ نضالنا حيث نعيش في مخاطر وأزمات وظروف قاسية ومفاهيم خاصة ، ولكن الأخطر في هذا الموضوع هو ما يتم تسريبه في وسائل الاعلام حول تصفية حق العودة عبر اتفاق غير معلن بين وزير خارجية الولايات المتحدة كيري مع كلا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومة الاحتلال نتنياهو يقضي بحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في الدول العربية المجاورة مثل (سوريا، لبنان، الأردن) عبر موافقة الجانب الإسرائيلي على السماح لبعض العائلات بالعودة الى مدن محددة في قطاع غزة والضفة الغربية، فيما سيختار آخرين بين التعويض المالي أو الهجرة الى دول خليجية في أعقاب موافقة على منحهم جنسية البلد التي يختارون الهجرة إليها ، واذا فعلا صدقت هذه التقارير فان بذلك فقد تم تصفية الحق المشروع للشعب الفلسطيني والذي هو جوهر القضية ولب الصراع ، وما حذرنا له قبل فترة طويلة من وثيقة جنيف ولقاءات التطبيع السياسي مع رموز مبادرة جنيف يكون قد مهد الطريق نحو تقديم التنازلات المجانية على حساب الحقوق المشروعة وذلك عبر المفاوضات التي ستخلو الكفة الفلسطينية من كل الشروط الواجب توافرها أساسًا لاستئناف المفاوضات وهي وقف الاستيطان والاعتراف بحدود عام 1967م وعودة اللاجئين الفلسطينيين والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، وإطلاق سراح الأسرى.
امام هذه الأوضاع الخطيرة التي تشهدها الساحة الفلسطينية من خلال اصوات للتغطية على هذا التراجع ومحاولة اقناع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية بان لا مجال الا بالمفاوضات وبالرعاية الامريكية لحل الصراع مع الكيان الاسرائيلي ، وكأن هذه الوسيلة هي الاساس علما ان الشعب الفلسطيني انتظر المفاوضات العبثية والعقيمة عشرين عاماً لم تسفر سوى عن مزيدا من تغير الوقائغ على الارض من خلال مواصلة الاستيطان وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية والتنصل من قرارات الشرعية الدولية .
ان العودة الى مسار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال وبالرعاية الامريكية المنحازة للاحتلال الصهيوني، نسأل هل المفاوضات مسار تنازلي او مسارانتصار، رغم قناعتنا بان هذه المفاوضات لم يتمخض عنها سوى مزيد من الويلات للشعب الفلسطيني عدوانا وغطرسة ونهبا للأرض وصولا الى تهجير الشعب الفلسطيني من فلسطين التاريحية ، من اجل اقامة الدولة اليهودية وهذا يلقي كامل الاسناد الأمريكي وبأشكاله المختلفة رغم ما يكتنف ذلك من تجاهل لقواعد القوانين الدولية والانسانية وما يؤلم ان قادة فلسطينيين وعرب بنخرطون في تلبية مشروع الإرادة الامريكية حيث يدوسون على الحقيقة التي تؤكد ان دولة الاحتلال مشروع امبريالي صهيوني بات من الضروري رفع الصوت عاليا لمواجهة المخاطر من جميع القوى والفصائل ، والتأكيد بأن حق العودة هو حق مقدس للشعب الفلسطيني الى دياره وممتلكاته التي هجر منها عام 1948 ، وان القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وليس حي او المسجد الاقصى في القدس ، وهذا يتطلب عقد اجتماعات عاجلة للمجلس الوطني والمركزي الفلسطيني من اجل الخروج بإستراتيجية فلسطينية ، لأن ما جرى يخالف قرار المجلس المركزي بعدم العودة للمفاوضات إلا بشروط تتمثل بوقف الاستيطان وإستناد المفاوضات لمرجعية قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والإفراج عن الأسرى، وكذلك العمل للوقوف في وجه اي مساس بالثوابت الفلسطينية، واستعادة الوحدة الوطنية والتمسك بنهج المقاومة الشعبية بكافة اشكالها حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
اما الحديث الذي يتردد عن الانتصار الذي تحقق في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين دولة مراقب فالكل الفلسطيني رحب فيه ولم يكن الا قوى خارجة عن اطار المنظمة تحفظت عليه ، ورغم هذا الانتصار الذي كان لا بد من استغلاله لأن الشعب لا يريد مجرد قرار يضاف إلى عشرات القرارات الدولية ، إلا أن الشعب فوجئ بل صدم بتردد القيادة في مواصلة المعركة الدبلوماسية سواء فيما يتعلق الأمر بالانضمام لمحكمة الجنايات الدولية أو إلى المنظمات الدولية الأخرى،أو تجسيد القرار ممارسة سيادية على أرض فلسطين.
وهنا لا بد من القول على الشعب الفلسطيني أن يعبر عن إرادته الحرة في رفضه العودة للمفاوضات العبثية والرضوخ للضغوط والإملاءات الأمريكية مقابل الموافقة على الإفراج عن عن أسرى ما قبل أوسلوا، دون وقف الاستيطان والقبول بالمرجعية الدولية وحدود 1967.
ونحن نعتقد ان الهدف الأساسي الذي تريده أمريكا وإسرائيل من العودة للمفاوضات هو منع اندلاع انتفاضة شعبية او تطوير المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال , وقطع الطريق على اللجوء للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة الإرهاب الصهيوني .
ان الحكومات الصهيونية المتعاقبة تضرب بعرض الحائط كافة القوانين والاعراف الدولية وهي مستمرة في سرقة الارض و المياه و تهويد القدس و الاغوار اضافة الى الاعتقال والارهاب الذي لم يتوقف بحق الانسان الفلسطيني و محاولات محمومة لكسر ارادته وكل ذلك يتم بدعم و مساندة غير مسبوقة من طرف الادارات الامريكية المتعاقبة التي شكلت على الدوام الراعي و الضامن للاحتلال والاستيطان .
وأمام هذا الواقع و نظراً لما تحمله من مخاطر على القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة والتي لن يستفيد منها إلا العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فان اللوحة اصبحت واضحة من خلال العودة الى مارثون المفاوضات العبثية ، ولكن الشعب الفلسطيني الذين قاوم الاحتلال الصهيوني والاستيطان والقهر وقدم تضحيات جسيمة في سبيل حريتة ووطنه وعودة لاجئيه لا يمكن ان يسمح لاي جهة بالمس بحقوقه الوطنية المشروعة .
ختاما : لا بد من التأكيد على رسم استراتيجية وطنية بديلة لخيار المفاوضات ، تقوم على أساس التمسك بالثوابت، وبالمقاومة الشعبية بكافة أشكالها، ونقل ملف القضية الفلسطينية للأمم المتحدة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومواجهة كل الشروط والضغوط ومشاريع التطبيع، من خلال ترتيب البيت الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها السلاح الامضى في مواجهة هذه المخططات.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت