144 الاستيطان الصهيوني "الفكر والممارسة"

بقلم: رضوان أبو جاموس


مما لا شك فيه أن الحركة الصهيونية جاءتْ كثمرة من ثمار الفكر الاستعماري الغربي، وتعبيراً عن حاجة من حاجاته، فقد أرادت الامبريالية تجمعاً بشرّياً يشكّل حاجزاً وجيشاً تستخدمه في إستراتيجيتها تجاه الوطن العربي.

وكانت الصهيونية جهازها العملي والموضوعي، وكان اليهود هم الأدوات العاملة لهذا المشروع، وقبل ظهور المفكرين الصهاينة اليهود كانت الصياغات الأساسية لمشروع الاستيطان والتهجير جاهزة تماماً.

لقد نجحت الصهيونية في توظيف الدين اليهودي لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلّطية، بعد أن لمستْ تأثير التربية الدينية على عقلية النشء اليهودي، فاستغّلت التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدّسة، وهيكل الرّب وغيره.

وطرحتْ نفسها كحلّ بديل لما يسمّى بالمسألة اليهودية، فرفضت فكرة الاندماج بالشعوب رغم موافقتها على الخروج من قوقعة "الغيتو"، ورفعتْ فكرة "الغيتو" الدّولي الكبير في فلسطين العربية، الذي يحقّق لها مصالحها الدائمة في استغلال خيرات الوطن العربي، ومنع أيّة محاولة وحدوية عربية من شأنها الوقوف في وجه أطماعها التوسعية والاستعمارية.

وبما أن الاستيطان يُعتبر تجسيداً للفكر الأيديولوجي والإستراتيجي الذي قامت عليه "إسرائيل" التي وُلدت من رحم الصهيونية، فمن الطبيعي أن تأتي فلسطين ومدينة "القدس" خاصة في طليعة الفكر الصهيوني وعلى سلم أولويات المخططات الصهيونية، حيث أنه لم يكن بالإمكان قيام "إسرائيل" وظهورها إلى الوجود بدون تجميع اليهود من بلدان ودول عديدة في العالم بدافع العودة للأرض المقدسة "أرض الميعاد"، فكان هناك شبه إجماع صهيوني على ضرورة الاستيطان في فلسطين والقدس، ويتضح معالم ذلك من أقوال زعماء اليهود الذين أطلقوا مقولتهم الزائفة على لسان هيرتزل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهذا ما أدى إلى بروز سياسة السطو على الأراضي الفلسطينية المحتلة ونشر اليهود فيها.

إن الاستيطان كان ومازال سياسية قديمة حديثة، وجزء من السياسة الصهيونية للاستيلاء على الأراضي العربية، خصوصاً مدينة القدس التي يُعد الاستيطان من أبرز سمات الوجود الصهيوني فيها منذ احتلال الجزء الغربي لها في العام 1948م، وزادت وتيرته واستفحل خطره بعد النكسة واحتلال كامل المدينة، الأمر الذي أدى إلى تفتيت وحدتها، ونهب ثرواتها، وتهجير سكانها الأصليين منها.

ولأن الاستيطان ليس وليد اليوم بل هو مخطط قديم تبنته الحركة الصهيونية منذ نشأتها، ولم تدخر جهداً في تنفيذه، فعملت على تجميع اليهود من شتى بقاع العالم وجلبهم إلى فلسطين وطرد سكانها الأصليين منها، وهنا تبرز المشكلة التي تتطلب تحقيق أهداف الحركة الصهيونية بتهجير الفلسطينيين واحتلال أراضيهم، وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة رئيسية بين الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين والصهاينة المستوطنين ويمكن القول أن الاستيطان يرتكز على الحقائق المسلمات التالية :.

1- أن الصهيونية قائمة على أساس ديني وعقائدي، من خلال مزاعمهم الزائفة بأن لهم الحق في استعمار واحتلال فلسطين انطلاقاً من أساطيرهم التوراتية بأنها أرض الميعاد، وأنها ممنوحة من الله لليهود ونسلهم.

2- أن الكيان الصهيوني أقام مستوطناته عبر العديد من الأساليب الخداعة والحيل الخبيثة؛ ليبتلع كل الأراضي المحتلة في المدينة.

3- أن الاستيطان في القدس يشكل مرتكزاً أساسياً للاستعمار الصهيوني في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا.

4- هناك إجماع وقاسم مشترك بين قادة الصهيونية على ضرورة تحقيق المشروع الاستيطاني مهما كانت الأوضاع السياسية الدولية والمحلية، ويكمن الاختلاف بينهم فقط في طريقة تنفيذ مشروعهم الاستيطاني.

5- أن الصراع القائم بين الفلسطينيين واليهود هو صراع وجود وليس صراع حدود.

بناء على الحقائق والمسلمات السابقة، نود التأكيد أن تاريخ المشروع الصهيوني هو سلسلة من الوقائع المفروضة للاستيلاء على الأرض، وتهجير سكانها منها، ومن ثم الاستيطان فيها، لهذا فإن قضية الاستيطان الصهيوني تُعد في طليعة القضايا التي تستحق الاهتمام والتركيز عليها، خاصةً وأن الاستيطان يمثل الهدف والوسيلة - في ذات الوقت- للمشروع الصهيوني الذي إن لم تستفق الأمة الإسلامية من سباتها وتنفض عن كاهلها غبار الذل والعار، فإنها أنه لن تجد هنالك قدس للبكاء عليها، فالمدينة قد هودت، وأهلها مهجرون، والمعركة الآن باتت على المسجد الأقصى وتقاسم الصلاة فيه.


كاتب وصحفي فلسطيني



جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت