تحليل عسكري.. لماذا تخشى إسرائيل الياخونت وS-300

بقلم: غازي السعدي


وفق رؤيا إستراتيجية إسرائيلية، قامت إسرائيل بتنفيذ أربعة اعتداءات عسكرية، على أهداف سورية، في غضون الشهور الأربعة الماضية، وكان الهجوم الأخير في مطلع شهر تموز من هذا العام، استهدف شحنة من (50) صاروخاً مضاداً للسفن، من طراز "ياخونت" وهي روسية الصنع، وضعت حسب المصادر في مستودعات الذخيرة، بالقرب من ميناء مدينة اللاذقية، وحسب التقديرات فإن الهجوم نفذ بقيام طائرة إسرائيلية بإطلاق صواريخها نحو الهدف من بعيد، في حين لا تكون الطائرة تطير فوق الهدف أثناء القصف، لتعود إلى قاعدتها بسلام، بينما زعمت صحيفة الصاندي تايمز البريطانية، أن غواصة "دولفين" الإسرائيلية، هي التي أطلقت صاروخاً من نوع "كروز" على مستودعات الذخيرة في اللاذقية، وليس من خلال غارة جوية.
هناك سؤال لابد من مناقشته، لماذا التعتيم الإسرائيلي على مثل هذه الاعتداءات؟ ولماذا النفي السوري على قصف المستودعات في اللاذقية مما أعطى الانطباع في إسرائيل بأن نظام "الأسد" لن يرد على الغارات الإسرائيلية، بغض النظر إذا كان القصف من طائرة أو غواصة، وبينما لا تريد إسرائيل أن تسجل عليها هذه الاعتداءات، كما هو الحال بعمليات الاغتيال لقيادات فلسطينية أو عربية -وقائمة الاغتيالات كبيرة- فإنها تسرب هذه العمليات لوسائل إعلام خارجية، على الغالب قريبة منها، وتقوم بنشرها لتقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشرها ونسبها إلى الصحف الأجنبية، دون اعتراف إسرائيل بهذه العمليات رسمياً، إلا بعد مضي سنوات، كذلك فإن امتناع إسرائيل من الاعتراف بمثل هذه الاعتداءات كي لا تعطي مبرراً للرد عليها، أما سورية التي لا تعترف على الغالب ولا تنفي اعتداءات إسرائيل عليها، فإنها تتجنب الإحراج من عدم الرد، لأن ليس لها مصلحة بفتح جبهة جديدة عليها، تضاف إلى أوضاعها الداخلية، كما أن هناك تساؤلاً في إسرائيل: هل سيضبط الرئيس "بشار الأسد" نفسه أمام هذه الاعتداءات، أم أنه سيتخلى عن سياسة ضبط النفس والرد عليها؟
وعلى الرغم من النفي والتعتيم الإسرائيلي، فإن موقع "واللا الإلكتروني الإسرائيلي، أكد بتاريخ 18-7-2013، أن إسرائيل هاجمت سورية ما لا يقل عن أربع مرات، منذ مطلع عام 2013، وكانت هذه الهجمات قد جرت، نهاية شهر كانون الثاني، وفي مطلع شهر أيار نفذت هجومين متتاليين على صواريخ "الفاتح 110" في مطار دمشق، وفي مطلع شهر تموز عملت على تدمير صواريخ ياخونت في ميناء اللاذقية، ووفقاً للسياسة الإسرائيلية المرسومة، فإن وزير الجيش "موشيه يعالون" نفى أن تكون إسرائيل متورطة في عملية القصف على ميناء اللاذقية، أما الناطق العسكري الإسرائيلي الجنرال "يؤاب مردخاي"، فإنه لم ينف ولم يؤكد مسؤولية إسرائيل عن هذا الهجوم، متذرعاً أنه ليس من الضروري، أن نقفز للرد على كل تقرير ينشر في وسائل الإعلام الأجنبية، "التلفزيون الإسرائيلي 14-7-2013".
إن الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل تقوم على الحفاظ على أمنها، وسيطرتها على المنطقة عسكرياً، عبر تفوق قوتها العسكرية، على جميع الدول العربية مجتمعة، فهي تحاول منع الدول العربية التزود بأسلحة نوعية، وحتى أنها حاولت أكثر من مرة منع الولايات المتحدة من بيع طائرات وصواريخ متطورة إلى الدول العربية، كما ألزمت أميركا بأن تكون تقنية هذه الأسلحة أقل من التقنية التي تحصل عليها، مقابل موافقتها على تزويد دول عربية بالسلاح، فصواريخ "الياخونت"، التي يقال بأن إسرائيل دمرتها في ميناء اللاذقية، هي صواريخ ملاحية، طورها الروس ضد الأهداف البحرية، ويبلغ مداها (300) كيلومتر، ووزن الرأس الحربي لهذه الصواريخ (300) كيلوغرام من المتفجرات، فهو صاروخ محسن، يطير بسرعة تصل إلى أكثر من ضعفي الصوت، قادر على التحليق على ارتفاع (15) ألف متر وعلى انخفاضات تتراوح بين "5-10" أمتار فوق البحر، مما يجعل من الصعب التقاطه ومتابعته بالرادار، فإسرائيل ترى بأن هذا الصاروخ يشكل خطراً كبيراً عليها، حيث أن له أنظمة توجيه متطورة جداً، ترفع من أدائه، وقادرة على عرقلة أية محاولة لفرض حصار بحري على سورية. وحسب المصادر فقد حصلت سورية في مطلع عام 2011 على هذا النوع من الصواريخ، بتزويدها بـ (72) صاروخاً، و(36) منصة إطلاق وعتاد مساعد، وأن بطاريات هذا الصاروخ تشتمل على منصة لإطلاق ثلاث صواريخ، ومركبة تحكم متحركة، يجعل من الصعب استهدافها، وطوله (6.7) أمتار ووزنه ثلاثة أطنان وبإمكان الرادار توجيه الصاروخ إلى الهدف، في حين أن الرادار "الكاشوف" المركب على الصاروخ، يساعد في التهرب من الأنظمة الدفاعية للعدو عندما يقترب منها.
أما السلاح الآخر الذي تخشاه إسرائيل، فهو منظومة الدفاع الصاروخية الروسية الجوية من طــــــــــراز (S-300)، التي ابتاعتها من روسيا كل من إيران وسورية، ويلوح الروس بهذه الصواريخ كرسالة إلى الولايات المتحدة، فهذه الصواريخ تثير قلقاً كبيراً في الأوساط الأمنية الإسرائيلية، مما يجعلها تحاول عرقلة تنفيذ هذه الصفقات للبلدين آنفي الذكر، فإسرائيل وضعت لنفسها هدفاً بمنع وصول هذه الصواريخ وخاصة لسورية، وإذا وصلت فإنها تهدد بتدميرها، فهذه المنظومة تشكل قفزة كبيرة في شل حركة طيران العدو العسكري وحرية عمل الطيران الإسرائيلي، فهي من أحدث منظومات الدفاع الجوي الصاروخية للتصدي للطائرات القتالية المهاجمة، والتصدي حتى لصواريخ "كروز" الأميركية، فهذه المنظومة عبارة عن تطوير لبطارية روسية لمنافسة منظومة "الباتريوت" الأميركية أيضاً، بإمكانها اعتراض الصواريخ البحرية، والطائرات من مسافة مئات الكيلومترات، فإذا تم نصبها في دمشق بإمكانها أن تكتشف - من خلال رادار هذه الصواريخ المتطورة- الطائرة الإسرائيلية فور إقلاعها من مطار بن غوريون والمطارات الإسرائيلية الأخرى، مما يقلل من فاعلية سلاح الجو الإسرائيلي الذي يتمتع بالتفوق ويحد من حرية عمله، فرادار هذه المنظومة قادر على تتبع (100) هدف في وقت واحد، والاشتباك مع (12) هدفاً في نفس الوقت، وصاروخ (S-300) يحتاج إلى خمس دقائق فقط ليكون جاهزاً للإطلاق.
وخلاصة القول، فإن العالم العربي أهمل تقوية قدراته العسكرية، مقابل القدرات العسكرية الإسرائيلية، كذلك الاستخبارية التي تعمل إسرائيل على مبادلتها مع الدول الغربية، وتكسب التأثير السياسي على هذه الدول، قد يقولون بأن إسرائيل تحصل على ما لا يحصل عليه العالم العربي من الأسلحة النوعية الأميركية، ولذلك على العرب تنويع مشترياتهم من السلاح، ولنبني صناعة عسكرية متطورة، فإن لجمهورية مصر العربية صناعة عسكرية متواضعة، المطلوب من العرب تعزيزها، وشراء ما يحتاجون له منها، إذ أن لا احترام ولا تأثير في الساحة الدولية للعالم العربي، إلا إذا كان قوياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وقبل كل ذلك العودة إلى التضامن العربي الحقيقي، فلا ينقص العرب لا المال، ولا العقل، بل أن ما ينقصهم هو الوحدة، فالعالم لا يحترم الضعيف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت