حملة الهوية الزرقاء ونظرة العرب الظالمة لهم

بقلم: ظاهر الشمالي


حملة الهوية الزرقاء أي الهوية الإسرائيلية وهنا المقصود فيها فلسطينيي الداخل 48 الذين يسكنون في مدن الجليل وشمال فلسطين المحتلة . والذين تترواح تسميتهم بين فلسطيني الداخل أو عرب 48 أوعرب إسرائيل حسب إجتهادات البعض وهم بالحقيقة الجزء الأصيل من نسيج الوطن المحتل والمجتمع الفلسطيني ككل . فهم الذين حملوا على عاتقهم منذ نكبة العام 48 التحدي والبقاء في أراضيهم حتى وطأة الظلم والعنصرية المتفشية في المجتمع الإسرائيلي الذي لا زال هو كذلك ينظر لهم كفلسطينين بداعي عدم الولاء للدولة من باب الاحتياط والانخراط في المؤسسة العسكرية . ليثبتوا صدق نواياهم اتجاه من يحتل أرضهم . ويروض أحلامهم ويقتل ابناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس .

ومن هنا فأن الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية والتي تؤهله لزيارة كل بلدان العالم وطرق ابواب العواصم الاوربية دون اي اعتراض أو تأخير وذلك نظرا لعلاقة اسرائيل بدول الاتحاد الأوروبي وامريكا التي تعتبر اسرائيل حالة خاصة في التعامل في المطارات والموانئ .حتى يكفروا عن ذنب اقترفوه بحق اليهود إبان حكم النازية ومن لحق باليهود في أوروبا من مأسي بحسب الرواية المتداولة بالنسة للهولوكوست .

إن مواطني إسرائيل من الفلسطينين وهم أصحاب الأرض الأصليين ضلوا يعانوا من نظرة المجتمع العربي خارج حدود فلسطين المحتلة كنظرة دونية لا تنصفهم ولا تلتفت لمعاناتهم . في الوقت الذي يضيق الإحتلال عليهم وعلى قراهم ومدنهم التي باتت تحيطها مدن ضخمة يسكنها اليهود وخاصة في الجليل الأعلى بحيث لا يسمح للقرى العربية بالتمدد والتطور العمراني في البنية التحتية . ومن هنا يبدو أن الطابع العربي الموجود الأن ومن قبل لم يكن ليبقى لولا ثقافة أهل الداخل الفلسطيني ووطنيتهم في الرجوع الى جذورهم والحنين الى غصن الشجرة التي مزق الاحتلال اغصانها ابان نكبة عام 48 والتي شرد أغلب الفلسطينين الى الدول المجاورة . وبتنا نرى أن هنالك سكان أصليين من عكا هم الأن في مخيمات الضفة وسكان من الناصرة وحيفا وبئر السبع ويافا وطبريا هم الان ايضا يتوقون للعودة وهم مكبلون بالعواطف والحركة في مخيمات الوحدات وبرج البراجنة واليرموك وكل مخيمات اللجؤء الفلسطيني.

ولعل العزلة التي عانا منها المواطن الفلسطيني قبل مجيئ سلطة الحكم الذاتي . هي الان معاناة متفاقمة بالنسبة للمواطنين الفلسطينين في الداخل وفي القدس المحتلة . وبما ان اسرائيل تعيش جو العنصرية والابرتهايد والنعرة الاستعلائية المستمرة . فهي اليوم تميز ما بين السكان الموجودين في الارض المحتلة بحيث يكون الفلسطيني الساكن في الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة يحمل الهوية الخضراء التي تساعده على التنقل في الدول الشقيقة وفي داخل الضفة الغربية والسفر الى اغلب الدول العربية بجواز سفرة الفلسطيني . وتقوم إسرائيل بمنح فلسطيني الداخل الجنسية الاسرائيلية اي جواز السفر الاسرائيلي . مع وجود بعض التحفظات على المعاملة السيئة لفلسطيني الداخل في المطارات والمؤسسات الرمزية في دولة االاحتلال . وتمنح ايضا اسرائيل مواطني القدس الشرقية هويات زرقاء . دون جواز سفر اي ما يعني انه مواطن ناقص درجة اي مقيم وليس مجنس.

وهنا تكمن المشكلة بحيث يسكن الابداع الفلسطيني والمكنون الثقافي والموروث الفني في مدينة حيفا الساحلية التي يعيش اهلها على نفس عروبتهم المستاصلة في عروقهم الى حد اليوم . وهم أهل الثقافة والفن وهكذا ايضا مدينة البشارة الناصرة . ومدينة عكا الساحلية والقدس وام الفحم وسخنين ومدينة يافا عروس البحر وكل القرى في الجليل والمثلث . فكل تلك المدن تحوي بين جنباتها ابداع غير مكتشف . ولا مصلحة للأحتلال بذلك ومع ان الدول العربية تبقي ابوابها موصدة امام شباب الداخل الفلسطيين بحجة الهوية الأسرائيلية تحت مسمى " دولة عدو " فهي تشارك المحتل في قتل الابداع وجعل الشباب الفلسطيني في الداخل مجرد عمال وخدم عند المحتل وهم الذين يمتازون بكثير من المميزات التي من شانها ان تجعلهم اصحاب حضور وتمثيل لارضهم المسلوبة ولوطنهم الجريح.

ان حالة الصحوة التي بدت تظهر عند الشباب الفلسطيني في الداخل . الذي بدأ بالخروج من ثوب الطاعة ومن لثام المحتل لكي يبحث عن ذاته بعيدا عن لغة الموت التي يمتهنها الاحتلال ورائحة العنصرية والكراهية التي تدرس على مقاعد الدراسة . ليكون بذلك الشاب الفلسطيني المتعلم والمثقف والساكن في حيفا والمدن المتطورة بعقلية اهلها ونضوج فكرهم بدا يجد ذاته في فلسطينيته وفي كوفيته وفي أرضة وتاريخ أجداده وإن كان في جعبته هوية زرقاء تتبع المحتل . فتلك الهوية ليست حجاب من قماش يمنع الفلسطني عن فلسطينيته ويسلخ ابن حيفا عن ابن عمان وابن ام الفحم عن اين دمشق وابن الناصرة عن ابن بيروت .

فمؤخرا بدا العرب في الدول الشقيقة يلمسون حجم الوجع لتلك المدن الجميلة باهلها . والتي أراد الاحتلال من شبابها ان يكونوا حراسا لنواياه العاطلة وجنود في جيشة الغارق الى أخمس قدمية في الموت والأرهاب فإن كثيرا من الدول العربية التي تمنع على مواطني الداخل الفلسطيني من دخول اراضيها هي بذلك تتبع نهج السلخ لعروبتهم . وتشعر هاولاء بالعزلة واليتم من الحضن العربي الواعي والثائر في ربيعه . ومن هذا المنطلق فإن الهوية الزرقاء لا تعني شئ بالنسبة للمواطن العربي الفلسطيني الا انها هوية أجبرعلى حملها بفعل الاحتلال والامر الواقع الذي يعيش السكان العرب في كنفة داخل قراهم ومدنهم وسط غابة من المدن والمستوطنات والكيبوتسات التي تحيط بهم .

ففي الدول العربية يوجد الفن وتسكن الثقافة والحضارة والتطور .ولذلك نادرا ما ترى الفلسطيني يمثل بلده ونفسة دون أن يعلم العربي أن المخزون الفلسطيني من الفن والفنانين من أصحاب الموهبة والكفاءة ومن أصحاب الأصوات الراقية ومن رسامين مبدعين ومن إعلاميين ورياضيين . ومن ملحنين مهرة بالإضافة الى الشخصيات الاكاديمية القادرة على اضافة نوع من التميز والابداع على الساحة العربية عندما يمنحون الفرصة ويسمح لهم بالمشاركة كفلسطينين عرب في افادة اوطانهم العربية بدل من ان يكون عناصر فعالة في المؤسسات الاسرائيلية. ولكن بعض الدول الشقيقة ومنها الاردن ومصر هي فقط من تسمح للفلسطينين من داخل الخط الاخضر بزيارتها للسياحة والاستجمام وزيارة الإهل نظرا لاتفاقات السلام مع اسرائيل بإعتبارهم مواطنين يتبعون لدولة اسرائيل وهنا يبدو المأزق في التعاطي مع المواطن الفلسطيني بهذا الوصف الظالم لمواطن يعيش تحت وطأة المحتل بدون إرادته المسلوبة .

ومن ثم ايضا تسمح المملكة السعودية للمواطنين من داخل الخط الاخضر بزيارتها لاداء مناسك الحج والعمرة وتكون هنا الزيارة استثنائية وخاصة وغير تلك الدول لا تسمح بحيث تمنع تونس والجزائر ودول الخليج ولبنان وسورية على المواطنين الفلسطينين من سكان حيفا والقدس والناصرة والمثلث والنقب من زيارتها بحجة ان جواز السفر هو جواز اسرائيلي فهي في نظرهم دولة معادية . لكن لا ينظرون الى المواطنين العرب بعين الشفقة والاخوة لانهم بالاصل فلسطينيون تعرضوا للنكبة وللنسكة وهم متواجدون على تلك االارض من باب الحماية لارضهم والحفاظ عليها من الضياع والتشتت.

إن شباب حيفا والناصرة لو سنحت لهم الفرصة في المشاركة والدخول الى بيروت ودمشق ودبي وعمان لأسعدو فلسطين ولأبهرو العرب فيما يقدمون وفيما يحملون من مكنون مرعب من الفن والابداع الذي بقي حبيس قلوبهم ورهين ارواحهم المعلقة في عروبتهم ولغتهم العربية التي تحارب تحت وطأة اللغة المتعارف عليها في اوساطهم اللغة العبرية . إن المواطن الفلسطيني من حقة كشاب ان يمثل بلده وأهلة وناسة كالمواطن الساكن في رام الله واريحا وغزة . وأن ظاهرة محمد عساف فتحت الشهوة لدى الشباب ولدىالاصوات ولدى الصبايا من انهم ليسوا اقل من ذاك الفتى الذي حقق افرح للوطن بصوته ولو لبضعة اسابيع . ان حيفا بحاجة لمن يذكر العرب فيها وكذلك يافا وعكا وطبريا وصفد وبئرالسبع التي بدأت تعود الى حضن فلسطينيتها . ومن هذا المنطلق الجديد فان الشاب العربي الفلسطيني الفنان والموهوب لا يرى نفسة الا في قالب الحياة قالب الفن والسعادة والحب والسلام ايضا وليس في قالب الحرب والموت الذي تسعى لأن تأخذه اسرائيل اليه من خلال التحريض والإغراء لكي يكون عنصرا من جنودها .لكن الثقافة السائدة في اوساط الشباب هي التي تتغلب على تلك النوايا التحريضية .

فاليوم وبعد الإحساس بشعور العودة الفلسطينية الى الذات فإن الوقت قد حان لكي تفتح الدول العربية قاطبة من المحيط الى الخليج ومن بيروت الى دبي الى عمان الى القاهرة احضانها لكي تستوعب هذا الجزء الصيل الذي عانى التهميش والعزلة واليتم بفعل فاعل الا وهو الاحتلال . لكي تجتمع المدن العربية في اغنية واحدة وفي قصيدة وفي لوحة يبدع فيها ابن حيفا الخارج من وحل العزلة ومن العبرنة الى العربية . فالعربي المحجب لوطنة لا يمكن ان يهدد وطن اخر . فعلى الدول العربية ومن هذا المنطلق وخاصة لبنان وسوريا والخليج ان لا تنظر الى النصف الفارغ من الكأس وان لا تعتبر ذلك تطبيع مع المحتل فإنتشال المبدع من وحل العبرنه هو بحد ذاته شرف عربي وانجاز يحسب .

وحين تعاد الثقة الى ابن يافا والطيبة وام الفحم عندما تفتح لهم استديوهات الفن والصحافة والاعلام والبرامج والشركات حتى يعيشوا المجد باسم مدنهم ووطنهم وحين يتحرروا من لون الاحتلال الواحد ويرسموا احلامهم بأيدهم بين اهلهم وناسهم في العواصم العربية التي لن تبخل على أبناء محمود درويش واميل حبيبي وحيدر محمود وحسن البحريري واميل توما ووديع البستاني و جميل البحري وعبد الكريم الكرمي وسميح القاسم كل تلك الهامات الوطنية التي كانت لها البصمة في كل المجالات . فاليوم جاء دور العرب كأنطمة وشعوب خارجة من عتمات الدكتاتورية الى نور الحرية . بفضل الشباب الذي خلق واقع جديد .

فاليوم وبعد كل تلك التغييرات بات علينا وبكل جدية ان ننظر بعين صائبة الى الفلسطينين في الداخل على انهم جزء من النسيج وجزء من العروبة وهم ليسوا فائض لا بل هم كتلة متميزة من الابداع والتحضر لا ذنب لهم سوى انهم يجاورون الباطل . واليوم لا بد من وقفة مع الذات حتى يسمح للفلسطيني ولو قامت الدول باستثناء جواز سفره وجنسيته باعطاءة ولو قصاصة ورق تكون كفيلة بان يزور اهلة وناسه حتى يبادلهم الود والحب والثقافة والمعرفة والمغنى والتمثيل ولدراما ويشاركهم في كل ما يحويه من ابداع ويكون على مسافة واحدة من كل البلدان العربية . حين تتلاحم الافكار بين العرب والفلسطينين وان يكون التعامل مع السجين الأتي من حيفا ومن يافا ومن القدس ومن كفر كنا وعرابة البطوف ومن شفا عمرو هو ليس تطبيع مع السجان ولا حتى اعتراف به فهذا عربي المنشأ والمولد . والمنى كل المنى بأن تكون ثورات الربيع العربي قد حررت شعوبها من الدكتاتورية وان تكون قد حررت فلسطيني الداخل 48 من النظرة الدونية لهم من قبل العرب ككل وان لا يستثنوا من أي مشاركة ومن أي تمثيل وتفعيل فهم كما قلنا ثروة وثورة . ثروة لمن ينجح في اكتشافها وثورة في عالم يتغير كل يوم لما يملكون من اخطبوط مبدع ومتميز على كل الأصعدة .

إن الفنانين العرب في برامج المواهب وصفوا الشاب الفلسطيني محمد عساف بانه صاروخ وهو يستحق لما يملكة لكنهم يجهلون أيضا ان هنالك ترسانة من الصواريخ لما تعطى الفرصة وتنتظر على احر من الجمر شارة البدء لكي يكفوا عن وجههم العربي وتلك الترسانة هي الان موجوده في حيفا والناصرة ويافا وعكا وصفدوسخنين والطيرة والطيبة ولو اعطت الفرصة لكي تمثل وطنها لكانت اوقفت الجماهير على أقدامها احتراما وأغرقتها في وحل التصفيق حين يبهروا الناس بما ملكة ايمانهم وحناجرهم من ثروة قومية . قادرة على تجذب أذان العرب الى الفلسطيني الساكن على ساحل وطنة المحتل . الشباب العربي والاهل في الداخل المحتل . ينتظرون منكم الحضانة والقلب الواسع الذي يستوعب مشاعرهم وعواطفهم اتجاه عروبتهم . تعاملوا مع موضوع هاؤلاء الشباب على محمل الجد ولا تنسوا يوما ان ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الاطرش قد غنوا في يافا وقد غنوا ليافا ولبحرها وللبحارة فيها فلتلك المدينة تاريخ عريق كما لاهلها واهل رام الله وحيفا والقدس ونابلس والناصرة ..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت