استمرار المفاوضات استمرار الجرائم الاسرائيلية

بقلم: مصطفى إبراهيم


السلطة الفلسطينية استجابت للضغط الامريكي مقابل استئناف المفاوضات المتوقفة منذ ثلاث سنوات، وضاربة بعرض الحائط رفض الكل الفلسطيني للعودة لها من دون شروط مسبقة، وإسرائيل رحبت بذلك لأنها تدرك اهمية استئناف المفاوضات، حتى وان كانت بدون شروط، فهي بحاجة ماسة لاستئناف المفاوضات في هذا الوقت، كما انها تواجه عزلة مستمرة في العالم، وهي بحاجة لغطاء لجرائمها وسياساتها الاستيطانية، والعودة للمفاوضات يساعدها في تخفيف المقاطعة الدولية والاستمرار في احتلالها.
وهي لم توافق على وقف بناء المستوطنات وستستمر في قضم ألاف الدونمات و بناء الآلاف من الوحدات السكنية، وستظل السلطة تنتظر الجرائم والممارسات الاحتلالية والانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين على امتداد التسعة شهور التي سيتم التفاوض خلالها في القضايا الجوهرية، والتي بحثت مئات المرات خلال العشرين سنة الماضية من عمر المفاوضات.
هكذا تم الاتفاق بين ممثلي السلطة والحكومة الاسرائيلية في الجولة الاستكشافية التي جرت الاسبوع الماضي في واشنطن وبرعاية الولايات المتحدة المنحازة دوما لإسرائيل كونها الداعم الحصري للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، فالولايات المتحدة التي مارست ضغطا بابتزاز ورشوة مالية كبيرة بأربعة مليارات دولار للسلطة للخروج من ازمتها المالية التي لن تنتهي طالما ظلت تعتمد على المعونات والمساعدات الامريكية والغربية.
نتنياهو واضح في رؤيته فهو مؤمن بإدارة الصراع وليس حله، فإسرائيل وافقت على اطلاق الاسرى القدامى مقابلة الاستمرار في بناء المستوطنات وهذا توجه استراتيجي لجميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، الولايات المتحدة مارست الضغط بتقديم الاغراءات المالية وإسرائيل قدمت وعود بالإفراج عن العشرات من الاسرى وهي مشروطة بالتقدم بالمفاوضات، ما يعني استمرار تقديم تنازلات فلسطينية، وكانت البداية بالذهاب لواشنطن بتنازل السلطة عن شروطها بوقف الاستيطان.
الفلسطينيون يرون في العودة للمفاوضات تنازلا و تراجعا كبيرا من السلطة وتخليا عن شروطها و موقف السلطة الذي كان معلنا برفض العودة للمفاوضات المتوقفة خلال السنوات الثلاثة الماضية، وتحدي لكل الفلسطيني والتي عبرت عنها الفصائل الفلسطينية مجتمعة بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
الرئيس عباس وفريقه برر العودة للمفاوضات حتى لا يلام من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي انه الطرف الرافض للسلام ولا يحملونه المسؤولية بفشل الجهود الامريكية الداعية لاستئناف المفاوضات، وذريعة السلطة والموافقين من فريقها على العودة للمفاوضات انه لا بدائل امامهم في الوقت الحالي سوى العودة للمفاوضات، وفي حال فشلت فأنهم مستعدون لدراسة البدائل.
هذا الحديث نسمعه في كل مرة من السلطة الفلسطينية عن غياب البدائل والخيارات محدودة، مع ان البدائل والخيارات كثيرة، وعشرون عاما من المفاوضات كانت السلطة مستعدة لتقديم تنازلات.
الحديث عن غياب البدائل هو في ذهن السلطة فقط, وهي عاجزة عن تقديمها وهل من المعقول ان شعب تحت الاحتلال لا يستطيع التفكير بوضع البدائل للمفاوضات ومواجهة الاحتلال الذي يسعى بأي ثمن العودة للمفاوضات، والذي يعني استمرارها استمرار السلطة على قيد الحياة، فالبدائل والخيارات الفلسطينية كثيرة والسلطة بخوفها وعجزها ترفض حتى مجرد الحديث فيها وليس التفكير فيها.
فالخيارات لدى الشعب الفلسطيني كثيرة، والسلطة بإمكانها استغلال اوراق القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني للضغط على اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، اولها بان تكون مرجعية المفاوضات هي القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما بإمكانها الاستمرار في التوجه للأمم المتحدة وتوقيع الاتفاقيات الدولية والانضمام الى مؤسسات الامم المتحدة التي تمنح الفلسطينيين الحق في ان تكون عضوا بها ومن ضمنها التوقيع على اتفاق روما والانضمام الى محكمة الجنايات الدولية وهذا يرعب قادة اسرائيل، كما بإمكان السلطة ان تعمل على تفعيل قرار محكمة لاهاي المتعلق بجدار الفصل العنصري في العام 2004، وتقرير غولدستون، وغيرها من القرارات الاممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وملاحقة مجرمي الحرب من قادة اسرائيل السياسيين والأمنيين.
السلطة القائمة على التزامات اوسلو والاتفاقات الامنية والاقتصادية لن تستطيع التفكير إلا في القبول بالابتزاز والرشوة المالية و الخضوع للتهديدات الاسرائيلية، و الهرب من المواجهة مع الاحتلال حتى من المقاومة السلبية السلمية، بل تتمادى في قمع أي فعل وطني مقاوم سواء كان سلميا او بإي ادوات اخرى كفلتها المواثيق الدولية، فهي ترفض الاحتجاجات السلمية المحدودة في رفض العودة للمفاوضات من دون اجماع وطني.
استمرار المفاوضات يعني استمرار الجرائم الاسرائيلية، فسلطات الاحتلال تواصل تهويد القدس وغول الاستيطان مستمر في نهب ما تبقى من بقايا الوطن في الضفة الغربية، وهي تقوم الان به بشكل شرعي وتحت غطاء المفاوضات التي ستستمر تسعة اشهر ويدها حرة في ذلك، ونحن مغلولو الايدي من القيام بأي فعل وطني، بموافقة السلطة على العودة للمفاوضات من دون شروط مسبقة باستثناء وعود غير مضمونة، والخشية قائمة من استجابة السلطة للضغط الامريكي بقولها تقديم تنازلات اخرى من اجل ما يسمى العملية السلمية.

3/8/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت