منذ بدأ مسار المفاوضات في مدريد وتوقيع اتفاق أوسلو، ثم واشنطن، واي ريفر الى طابا لم نرى من هذه المفاوضات سوى مزيدا من استمرار الاحتلال بفرض الوقائع على الارض ، من خلال مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات عليها متخذة من المفاوضات ستاراً يغطي أعمالها، هذه هي الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية التي تهدف الى هدر الوقت وتمريره لبناء المزيد من المستوطنات وابتلاع الأرض الفلسطينية وتثبيت ذلك أمر واقع يصعب تغييره .
يبدو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري اعطى فترة تسعة أشهر كسقف زمني لانتهاء المفاوضات الفلسطينية ـ الصهيونية هو بمثابة انتظار ما يجري في المنطقة ، وخاصة ان الإدارة الأمريكية التي تنحاز بشكل سافر ومطلق من خلال دعمها اللامحدود للعدو الصهيوني، فإنها ترى في العودة إلى التفاوض والمشاغلة بها، حتى تتمكن من التعامل مع ملفات أخرى التي تزداد سخونة في المنطقة، ومن اجل قطع الطريق على الأصوات المتعالية والمتنامية والتي راحت ترتفع في العواصم العربية والتي تطالب بإلغاء الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، وفي ظل مناخات عربية نشهدها ومخاضات شعبية تعيشها معظم العواصم العربية، الأمر الذي يجعل منطقتنا أمام احتمالات مفتوحة، فمن هنا كان استغلال الواقع من اجل الضغط على السلطة الفلسطينية للعودة الى المفاوضات وان الوعود الامريكية المعسولة وآلامال الكاذبة لا تدعمها أي عناصر أو أدوات للمصداقية وحسن النية على الأرض، بل إن كل ما يجري هو مجرد لقاءات وليس اتفاقًا للسلام.
انطلاقاً من ذلك، فإن العرض الأميركي المستند إلى محاور رئيسية ثلاثة، سياسية وأمنية واقتصادية، هذا العرض يؤكد على استئناف المحادثات السياسية على أساس خطابات الرئيس باراك أوباما دون ذكر حدود عام 67 مباشرة مع تبادل الاراضي بدلا من وجود الكتل الاستيطانية الكبيرة، وإطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين، بينهم بعض الأسرى القدامى، على دفعات، والسماح للفلسطينيين بالبناء في عدة مناطق قريبة من مدن فلسطينية رئيسية في المنطقة المصنفة «ج»، إضافة إلى إقامة مشاريع اقتصادية في الأغوار وفي منطقة جنين شمال الضفة الغربية، وفتح حواجز عسكرية وطرقات لتسهيل حركة الفلسطينيين، وذلك في مقابل التزام السلطة الفلسطينية بإجراء "مفاوضات جدية" لمدة تسعة شهور على الأقل، وعدم قيام السلطة باي عمل ضد إسرائيل في المحافل الدولية خلال هذه الفترة.
وامام ذلك نتساءل، عن أي مفاوضات تجرى مع كيان احتلالي غاصب يرفض الاعتراف بالحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، ، فهل المفاوض الفلسطيني تمكن من خرق هذا التعنت على مدار ما يزيد على 20 عاما من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وهل هناك أي إشارة تدل على أن الكيان الصهيوني قد يخضع للتنازل عن جزء من الحق الفلسطيني.
يجب أن ندرك جيداً أن إطلاق سراح العشرات أو المئات من الأسرى ليس هدفاً استراتيجياً من أهداف النضال الفلسطيني، بمقدار ما هو واجب وطني والنضال بكل الوسائل من أجل تحريرهم بعد ان انتهت محكومياتهم أساسا، وكان من المفترض بالجانب الفلسطيني عدم خضوعه للإرادة الصهيو ـ أميركية.
ولهذا نرى بان مفتاح الولوج إلى جميع الملفات المفتوحة على مصراعيها في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية والصراع العربي- الصهيوني الذي ينبغي الإيحاء للشعوب العربية بأنه وضع على سكة المفاوضات، وأن ثمة رغبة أكيدة لدى الإدارة الامريكية في تحقيق إنجاز ما تستطيع، بعد تضخيمه وتجميله إعلامياً، وتقديمه إلى الداخل الأميركي كاختراق مهم للوضع القائم، وفي إبقاء الملف الفلسطيني بعيداً عن الأمم المتحدة وهيئاتها منعاً لمكاسب دولية جديدة يمكن أن يحققها الفلسطينيون، وتجنباً لتكرار الموقف المحرج الذي وجدت نفسها معزولة فيه حين صوتت أغلبية كبيرة من دول العالم لمصلحة فلسطين ضد إرادتها وتصويتها.
وفي ظل هذه الظروف ايضا نتساءل اين موقف السلطة الفلسطينية من تهجير بدو النقب عن قراهم والاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات من أراضيهم، وإقرار المزيد من القوانين العنصرية التي تضيق على أصحاب الأرض في مناطق 1948، وتزيد من التعدي على حقوقهم وحرياتهم وتوسع فجوة اللامساواة ضدهم كمواطنين أصيلين على أرضهم.
إننا نعتقد أن السلطة الفلسطينية ارتكبت خطيئة كبرى بالعودة للتفاوض بدون قرار من اللجنة التنفيذية للمنظمة، هذا القرار من شأنه أن يفاقم الانقسام الفلسطيني والتوتر الفلسطيني الداخلي،
وفي ظل حالة الانشغال التي تعيشها الحركة الشعبية العربية بقضاياها الداخلية، من شأنه أن يوفر الفرصة الملائمة للاستفراد الإسرائيلي بالجانب الفلسطيني وبالتالي الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني.
ختاما لا بد من القول : إن العودة للتفاوض لا يمكن أن تشكل حلاً للقضية الفلسطينية، فالمطلوب وقف التفاوض والعودة الى المؤسسات الوطنية الفلسطينية من اجل الشروع الجدي بتقييم التجربة بالكامل ورسم استراتيجية وطنية تستند الى الذهاب للهيئات والمحافل الدولية والتصدي للعدوان والصلف الإسرائيلي، واستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية ، والإمساك جيداً بالمشروع الوطني الفلسطيني حتى دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت