مصالح .....تلقي بمصر الى الهاوية

بقلم: ياسمين المصري



رئيس مخلوع ،رئيس منتخب ،رئيس معزول ،ثورة وثورة مضادة ،مؤيدين ومعارضين ،مجازر لم يعرف مرتكبيها ،اتهامات متبادلة من مختلف الاطراف ،وصمت عالمي مطبق ،تلك هي مصر ما بعد مبارك . لا يختلف إثنان على ان سقوط مبارك بث الامل في قلوب الكثيرين وليس المصريين فقط رجاءا منهم في بناء ديمقراطية تمهد الطريق لنهضة على كافة الصعد ،ولكن هذا الامل سرعان ما تبدد ليتحول الى علامات إستفهامية وتعجبية في ذهن الكثيرين . وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه مع كل حدث ،لمصلحة من ؟ إن أهم ما لابد ان يدركه الافراد عن السياسة هو ان هي حجر الاساس الذي تبنى عليه سياسات الدول الخارجية ،وهي المحدد الرئيس لطبيعة تعامل الدولة مع الازمات والمواق المختلفة . ومن الطبيعي ان مصلحة الدولة قد تتعارض مع مصالح الدول الاخرى ،وما يعتبر مصلحة لدولة ما قد يعتبر ازمة لدولة اخرى . وبذلك فإن المصالح في علم السياسة في احيان كثيرة تتجاوز القيم الاخلاقية والدينية ،بل وتعتبر هذه القيم مجرد مطية تركبها الاطماع السياسية ،وإذا وقفت هذه القيم عقبة في سبيل تحقيق هذه الاطماع فإنهم يصرفون النظر عنها في الحال ويكشرون عن انيابهم . وهذه النقطة هي مربط الفرس الذي يمكننا الانطلاق منه لتفسير المشهد السياسي المصري . إن موجة الانتصارات الانتخابية للاسلاميين التي لم تقتصر على دول الثورات العربية فحسب ،بل طالت لتمتد الى دولا لم تمسها الثورات العربية _ ربما بعد _اثارت حفيظة وقلق الادارة الامريكية ،فكان لا بد لها ان تعمل على إثبات فشل الاسلامييين امام العالم ،وتؤكد ان فكرة الاسلام السياسي فكرة عفا عليها الزمان ،وأن هذا الزمن هو زمن العلمانية . وذلك في محاولة لوقف المد الاسلامي للحكم في البلاد العربية الذي قد يهدد مصالحها وأمنها مستقبلا . وما يؤكد الحضور القوي للإرادة الامريكية في اللعبة المصرية هو تصدر شخصيات امريكية بإمتياز للمشهد السياسي المصري في الوقت الراهن ،وعلى رأسهم نائب الرئيس المؤقت للعلاقات الخارجية محمد البرادعي ،الولد البار الذي ترعرع في احضان اميركا . أما من جانب اسرائيل فلها حصة الاسد في المصلحة مما يحدث في مصر ،حيث لا شك ان التحدي الاكبر الذي يواجه اسرائيل ،هو سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007 . وبإعتبار حماس هي إمتداد لجماعة الاخوان المسلمين ،فإن سقوطهم في مصر ادى الى فقدان الحركة لسند وحليف استراتيجي لها ،مما ادى بدوره الى إضعاف وتقويض حركة حماس خاصة في ظل الضغط الاعلامي الذي واجه الحركة وفي ظل فقدانها لاهم حلفائها في المنطقة وعلى راسهم ايران وسوريا وحزب الله . ومن زاوية اخرى فإن الاحداث الاخيرة في مصر اثرت بشكل كبير على صورة الجيش المصري وسمعته وأظهرت حالة الضعف والتخبط في صفوف قادة الجيش ،بدليل عجزه عن السيطرة على العمليات الجهادية التي ينفذها مجهولون في سيناء . وبهذا تكون الازمة المصرية وفرت لاسرائيل شعور بالاطمئنان العميق بعد ضعف اخر جيش كان من الممكن _ مع بساطة الاحتمال _ان يشكل تهديد على امن اسرائيل ،بعد سقوط الجيش العراقي وتدمير الجيش الليبي ،وضياع الجيش السوري في حرب ضروس مع شعبه . وعلى الصعيد العربي فقد سعت عدد من الدول العربية مثل دول الخليج الى افشال التجربة الديمقراطية في دول الربيع العربي _تجاوزا _خوفا من وصول هذا المد الديمقراطي الى بلدانهم في حال نجاح هذه التجربة . وايضا على الساحة الداخلية في مصر تصدرت المصالح المشهد ،ممثلا ذلك بمطامع البعض في الوصول الى السلطة وان كان ذلك على حساب البلاد . بالاضافة الى سعي كثير من رجال الاعمال في مصر الى مقاومة التغيير والحفاظ على نظام حكم مبارك نظرا لكونه اكثر اتساقا مع مصالحهم . وهكذا فإن الوضع في مصر _ ليس فقط _ يثبت اننا نعيش في زمن تراجعت فيه حرب المذاهب العقائدية والمبادئ وتقدمت فيه اعتبارات المصالح المادية ،فإذا قام وسط هذا كله شعب يتمرد ويهدد رخاء الاخرين . فإن كل الاخرين يتآمرون عليه ويطالبونه بالسكوت والاحتمال ،فمصالحه في شرع السياسة لا يجوز ان تفسد مصالح من هم اقوى واكبر واهم .

ولكن هل من الممكن ان ينتصر وعي الشعب المصري على إرادة اصحاب المصالح ؟هذا ما سترسم معالمه الايام المقبلة .

بقلم / ياسمين المصري

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت