فلسطين بين التفاوض وشعار الرفض.

بقلم: احسان الجمل


تتسارع الاحداث، وتكثر التصريحات، ويضيق الوقت لبدء المفاوضات في 14 آب. وما زال الكل في مواقعه القديمة متمترسا بمواقفه وشعاراته، دون الاخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات والاحداث المتسارعة التي تعصف بالمنطقة.

من حق القيادة العودة الى المفاوضات، لانه بالنهاية وحتى لو استعملنا الكفاح المسلح سنعود الى طاولة المفاوضات باعتبارها خط اتصال بين خصمين للوصول الى تسوية لانهاء الصراع، اللهم إلا اذا امتلكنا القوة الكبيرة، وحققنا النصر الساحق، وفرضنا شروط المنتصر، وهذا نوع من الفانتازيا السياسية في ظل موازين القوة الحالية، ان كان على المستوى الذاتي، او المستوى الموضوعي عربيا واقليميا ودوليا.

ومن حق المعارضة ان تعترض وتحتج وان تنزل الى الشارع، وترفع شعاراتها، ولكن وفق القانون والنظام، وبناء على نتائج تظهر تراجع في المواقف،وليس بناء على مواقف افتراضية نعتقدها قبل حدوثها، ونصدقها ونحاول تسويقها وفرضها على الناس كحقيقة وان يكون التحرك الاحتجاجي تحريضيا وفوضويا، يستلزم ردود لحفظ القانون والامن، وتصبح هذه الخطوة هي قضية تستحق احتجاجا على الاحتجاج.

القيادة لم تعد الى المفاوضات وفق الشروط التي وضعتها سابقا، واوقفت المفاوضات الى حين الاعتراف فيها، فسقف العودة كان دون ذلك، وربما فرضته الظروف الذاتية والموضوعية المعلنة والمستترة. حيث استمرار الانقسام، واتجاهه نحو التعمق اكثر من الانفراج، وعمق الازمة العربية الاخذة في التدهور والانقسام، وضياع اي جهد تجاه القضية الفلسطينية، وسقوطها من ترتيب الاولويات ومركزية الامة.

والمعارضة لم تطور نفسها، مستفيدة من تجارب الشعوب العربية، سواء على مستوى الهيكلة او التنظيم او الاستقطاب الجماهيري، وما زالت جزء من السلطة وتتغذى منها، لكنها تحاول التمايز عن السلطة ببعض الاستعراضات الخجولة والمسيئة احيانا عندما تخرج عن النص، لتلعب سياسة سجل موقفا.

واذا نظرنا الى الوضع نجد ان القيادة الفلسطينية بكل اطيافها وانواعها ومشاربها هي من اذت الشعب الفلسطيني وجلبت له الويلات، وذلك بسبب فشلها في انهاء الانقسام، ليس لصعوبة القضية. بل لانها( القيادة) غلبت المصالح الفصائلية على الوطنية، ولم تعد سياسة الديموغاجية تنطلي على عامة الشعب الذي يعيش التجربة ويعايش الاحداث بكل تفاصيلها. واصبح يميز بين الابيض والاسود.

فالقيادة الشرعية، استسلمت امام تعنت حركة حماس، ووجد البعض فيها فرصة لابقاء انقسام يخدم مصالحه. والانكى من ذلك ان تصل التصريحات الى مرحلة اللامسؤولية من اصحاب المشروع الوطني، والذي قال سابقا نعض على الجرح حتى لا نصل الى سفك الدماء. ونرى وزير الاوقاف يستعمل الفتاوى في تأجيج الموقف، ووطنيا لا يمكن لاصحاب الرؤية الوطنية الجامعة التي تعتمد الوطن كقاسم مشترك للجميع ان تلجا الى فتاوى قاتلة. وهذا اما دليل عجز او دليل تخبط يعبر عن فقدان الرؤية الصحيحة.

وحركة حماس التي على المستوى الوطني الفلسطيني، لا تجيد سوى الركود وسياسة الانتقاد للذين يعملون، وكأنها بحل من واجباتها الوطنية، والتي وضعت كل جهدها في ازمة البلاد العربية بطريقة أذت الشعب الفلسطيني والحقت الضرر به في سوريا ومصر، انطلاقا من انتمائها الى تنظيم الاخوان الذي يرى في القضية الفلسطينية مجرد وقف لا يفوق قيمة عن قضية هامشية في بلد اخر. وهي تنتقد العودة الى التفاوض، متناسية انها من فاوضت بعد العدوان على غزة، وبطريقة خاسرة تخلت فيها عن المقاومة ووصفتها في الاتفاق بوقف الاعمال العدائية، واعطت مصر الاخوان دور المرجعية السياسية والامنية عن دويلة الحلم غزة ولاحقا سيناء، وهذا المخطط التدميري، الذي نقاشه ليس في هذا المقال.

اما قوى ما يسمى اليسار التي فقدت الكثير من حضورها وقيمتها، واضحت قوى تقليدية في المشهد السياسي الفلسطيني، فهي اشبه بحبات الشاهد في حبات المسبحة التي لا يشهد ولا يسبح بها، عليها اعادة النظر في تركيبتها وبرنامجها، لانها بذلك تعيد للمعارضة دورها الوازن والفاعل ودورها العملي بعيدا عن الارتجالية وتسجيل المواقف التي لا تقود الى تراكم تغييري.

ما هو جديد في المفاوضات الجديدة، هو الموقف الامريكي، الذي استثنى هذه المرة كل الادوار العربية ووساطتها، وبان اكثر جدية في الانخراط فيها، متخليا عن سياسية ليتفق الطرفان ونحن نبارك. بل هو طرف شريك حدد سقفا زمنيا للمفاوضات ، وتعهد بتسمية المعرقل.

ولكن يبقى الخوف من عدم نزاهة الامريكان الذين قد يكونون طرفا شريكا وضاغطا على طرف لحساب الاخر، واكيد المضغوط هو الطرف الفلسطيني بحكم انه الاضعف. بغض النظر عن انه صاحب الحق.وهذا ظهر في الموقف من الاستيطان. وهنا تقع على المفاوض الفلسطيني اهمية التمترس حول المواقف التي طرحها للعودة الى المفاوضات، وان تكون ترتيب الاولويات وفق المنطق الفلسطيني، بحيث تكون النقطة الاولى هي الحدود باعتبار ان هناك اعترافا دوليا بأن الدولة الفلسطينية تقع على حدود خط الرابع من حزيران 1967، وحذاري ان يخدعونا بالمسار الامني والاقتصادي الذي هو تحصيل حاصل بعد تكريس الجوهر في حدود دولتنا المعترف بها. اضافة الى ملفات الوضع النهائي وفي مقدمتها حق العودة.

اذا على الاطراف الفلسطينية وقبل او بالترافق مع المفاوضات ان تعيد ترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة انهاء الانقسام، لانها الركن الاساس في قوة الفلسطيني ان كان على اساس التفاوض او المقاومة.

احسان الجمل

مدير المكتب الصحفي الفلسطيني – لبنان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت