قال تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور * فاطر
وهل يستويان تلك التنقضات والضدان وهما من يسير كل منهما في إتجاه معاكس للآخر أحدهما في إتجاه اليمين والوصول لطريق النجاة والآخر لطريق الشمال والوصول لطريق الهلاك ، وكل منهما في صراع مستمر في إبقاء قوته فوق الآخر و ما ينتصر إلا ما كان في الله وإلى الله .
فكيف يستوى من لا يبصر فقد بصيرة الحق من قلبه ليكون كمن أبصره ونور صدره وأصبح يسير به على هدى ووصل إلى طريق النور الذي لا يفارقه ليفصل به بين الحق والباطل ليكون له فرقان ينير درب حياته .
وكيف تستوي الظلمات بالنور ولاحظ أن الظلمات جاءن جمعا والنور جاء مفرد لأن مصدر الظلم متعدد وكثير ليؤدي بالإنسان للهلاك أما النور فمصدره واحد وهو الله سبحانه وتعالى فكيف تستوي طريق الظلمات المعتمة التي ضاقت على صاحبها بطريق النور التي سهلت لصابها المسير والرؤية لكل ما يحيط به ويحمي نفسه به .
وكيف بالظل والحرور ومن لا يشتهي ظل السماء بعد حرها الشديد وما أجملها من نعمه وما ألطفها على الإنسان عندما يعاني شدة الحر وألهمه فيجد ما يركن إلى ظله بعد طول التعب والمشاق هل يستوي ذلك الجمال والنعمة التي تصاحبها لطف الجو وبروده ونسمة الهواء العليل بهذا الحر الشديد الذي يجف الحلق من مائه ويعطش النفس ويرهق البدن ويحرق الجسد ، فتلك نعمة عظيمة تتنزل رحماتها على المؤمن لتكون حياته سلاما وبردا ونسائم ترد الروح وتنعش النفس وتزكيها وهذا الحر هو العذاب والهلاك والمصائب العظيمة التي تحرق صاحبها لسوء مسيرة وطول عمله السيئ .
ثم تختم الأية بنفي وتأكيد لعدم إستواء الأحياء ولا الأموات وهذا أيضاً محال فكيف بذلك والإنسان الحي يتمتع بكل نعم الحياة ويتنقل بها ويدرك ما فيها وله ذكر وإسمه ورفعة أم الميت فهو جيفة التراب ما يقدر على شيء بل يقلبه من حوله كيفما شاؤوا دون أن يعي ولا يدرك ولا يستطيع أن يردهم عن نفسه مهما بلغت قوته في حياته .
وهذا له معنى حياة القلوب وموتها فالقلب الميت من خلا من أي معرفة بالله والإستدلال على طريق الحق وامتلأ بكل المعاصي والشهوات والظلمات مما أحرقت قلبه وأصابته بالموت فلا يبصر ولا يرى ولا يسمع ولا يدرك كل ما يدله على الهدى والنور
ولكن من كان قلبه حياً يعي معنى الحياة بكل موازينها ونعمها وقيمها ويدرك حجم مسئوليته فيها فيسابق نحو علاقته بربه وتزكيتها ليعلو من خلال عمله الصالح ليحى أعلى المقامات وأرفعها ليزين بها قلبه ويحي بها نفسه ، ومن امتلأ قلبه بالحياة عرف كيف يختار وأن يتوجه ولا يجعل عليه سلطان إلا أمر الله ورسالته ولا ينقاد كالأنعام إلى حيث يريد له غيره وأعداءه فهو عرف الحياة وقيمتها بعد أن عرف قيمة نفسه وهدف وجوده ليحقق في تلك الحياة بقلبه الحياة الإصلاح والإعمار في الكون كله .
فمن أختار تلك الطريق بالإرارة التي ميز بها عن غيره من مخلوقات الكون واتخذ قرار السير في الهدى فكيف لا يسمعه الله ولا يبصره ولا يرزق كل الإدراك الذي تدله على المعرفة الربانية للوصول إلى دركات النعيم والعلو عند الله سبحانه وتعالى .
أما من في القبور سيبقى الصمم والعمى ما يسيطر عليهم بعد أن ماتت قلوبهم وأبصرهم وأظلمته حياتهم واشتد عليهم حر المسير والهلاك ليكونوا أمواتاً أجسادا تسير دون روح كما هم أهل القبور لا فائدة من أجسادهم التي تحللت في هذه الحياة بعد أن ماتت قلوبهم وأرواحهم .
آمال أبو خديجة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت