في المقارنة بين حال حركتي فتح وحماس

بقلم: مصطفى إبراهيم


في المقارنة بين ما تمر به حركتي حماس و فتح التي تعيش نشوة الاحساس بالانتصار بعد عزل مرسي، نرى ان حال حركة فتح ليس احسن حالا من حال حماس المكلومة والتي تعيش ازمة عزل محمد مرسي، الذي فقدت حماس جزءا عزيزا وغاليا عليها وشكل خلال السنة اليتيمة التي حكم فيها مصر سندا قويا لها، و ساهم في تعزيز موقعها، وكانت تنتظر ان يساعدها ذلك في الحصول على شرعية اقليمية ودولية، و يكون لها دور اكبر من دورها خلال سنوات حكمها الستة التي عاشتها في ظل الحصار والعزلة المستمرة من المجتمع الدولي ومعظم الدول العربية.
وبدلت حماس تحالفاتها وانتقلت من محور المقاومة والممانعة الى محور الاعتدال الذي تقوده مصر وقطر، وتضررت علاقتها كثيرا مع ايران وحزب الله و قطعت علاقاتها نهائيا بحليفها المخلص النظام السوري، ولم يعد لها مكان في دمشق واضطرت لنقل مكتب رئيسها السياسي وقيادتها الى الدوحة والقاهرة، لكن لا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
فحركة حماس لا تزال تعيش صدمة الزلزال الذي اصاب جماعة الاخوان المسلمين في مصر وهي جزء اصيل منها و حماس الابنة الشرعية لها، وتزداد عزلتها اكثر مما كانت عليه في السابق، وتدفع ثمن غالي بخسارتها حكم الاخوان المسلمين في مصر بعد عاشت نشوة الانتصار، وما شكلته مصر لها من نقطة انطلاق جديدة، و الان تترحم على ما اصابها من حزن بفقدانها مصر، و تتعرض لهجمة عنيفة من جانب الدولة المصرية وجهات عديدة سياسية وشعبية وإعلامية وصلت حد العداء والقطيعة من غالبية كبيرة من المصريين.
والأيام القادمة لا تبشر بخير في طبيعة علاقتها بمصر الذي اتخذت اجراءات مشددة ضد حماس، بإغلاق معبر رفح الذي يعمل بشكل جزئي ولإغراض انسانية، و تدمير عدد كبير من الانفاق والتشديد الامني عليها و التي تساهم في دخول البضائع والأسلحة والأموال، و الوقود الرخيص الثمن وتفرض عليه ضرائب قبل بيعه للناس، وتساهم في انعاش جزء من موازنة حكومتها في القطاع.
اما على الصعيد الداخلي فحال الناس سيئ وهناك تراجع كبير في شعبية حماس في ظل حصار خانق وبطالة وفقر، ووضع الحريات العامة في تراجع والتقييد عليها مستمر، ومع ذلك فبدل من التخفيف على الناس تنظر بشك لأي فعل بالرغم من انها تقع تحت تهديد وابتزاز حركة فتح ومطالبتها بالعودة الى المصالحة وهي تعلم ان هدف فتح هو انهاء حكم حماس في قطاع غزة واستعادته الى حضن الشرعية عن طريق الانتخابات، بالإضافة الى اعتقاد حركة فتح بقدرتها بدعوة الناس والتحريض على حماس باستنساخ التجربة المصرية من خلال الدعوات المتزايدة في حركة فتح بالتمرد على حكم حماس في القطاع، وحماس حتى الان تقاوم كل تلك الدعوات بملاحقة الداعين لها امنياً، وتدرك ان الهدف هو اسقاط حكم حماس.
وعلى اثر ذلك ما زال الوضع في قطاع غزة محتقن وحكومة حماس متحفزة للرد على أي تحرك، و خلال الشهر الماضي قاومت حكومة حماس وقمعت حتى دعوات الاحتجاج على قانون برافر الذي يدعوا لتهجير بدو النقب، وتنظر الى أي دعوة للاعتصام والتظاهر بعين الشك، وتقول ان حركة فتح خلف أي دعوة من تلك الدعوات، ورأينا حملة من الاستدعاءات والاعتقالات لناشطين وأعضاء من حركة فتح كانت اخرها في ايام العيد.
هذا عن حركة حماس والمأزق الذي تعيشه، ولو دققنا في حال حركة فتح فنرى ان الحال ليس احسن من حالا من حركة حماس، وحال الحريات ليس احسن كثيرا فالحريات مقيدة والاعتقالات و الاستدعاءات والملاحقات السياسية ضد اعضاء حماس و المعارضين لسياسة السلطة مستمرة، و الرئيس محمود عباس لوقت قصير قبل عودة المفاوضات كان محبطا ويعاني من موقف المجتمع الدولي و عدم تحقيقه أي انجاز سياسي للشعب الفلسطيني، وان بدى عليه وعلى حركة فتح الانتصار بالحصول على الدولة غير العضو في الامم المتحدة لكنه لم يكمل الانجاز.
وعلى الرغم من سيطرة حركة فتح على منظمة التحرير والسلطة وانها تمتلك الشرعية، وهي صاحبة النظام السياسي الفلسطيني، ولها علاقات دبلوماسية وسياسية مع دول العالم، لكنها تعيش ازمة ومأزق كبير جداً، فعودة فتح للمفاوضات كان ثمنه الاربعة مليارات دولار للتغلب على الازمة المالية التي تعانيها السلطة التي تقاوم الموت فالعودة الى المفاوضات اعادها للحياة من جديد بشرط بقائها تحت قبضة الاحتلال.
والمأزق الذي تعيشه حركة فتح متمثل بعودتها الى المفاوضات من دون إجماع وطني فلسطيني حتى من اقرب حلفاؤه في المنظمة، ومن دون شروط مسبقة أو أي التزام او ضمان امريكي حتى بوقف الاستيطان مؤقتا كما كان يطالب الرئيس محمود وانصياعه الى التهديد الامريكي والإسرائيلي، من دون ادراكه وحركة فتح الاضرار الخطيرة التي ستلحق بالقضية الفلسطينية ومخاطر تصفيتها، وان هذا الدعم المالي هو مؤقت ولن يدوم، فالسلطة مكبلة بالتزاماتها السياسية و الاقتصادية والأمنية مع اسرائيل، وهي لا تمتلك الارادة للتحرر من قيود تلك الالتزامات المهينة.
لذا فحال الفلسطينيين سيئ والاستمرار بالانقسام في ظل فشل أي طرف من طرفي الانقسام بتحقيق أي انجاز وطني حقيقي سواء من خلال المقاومة او المفاوضات، ستزداد الامور تعقيدا في ظل تعنت الاحتلال وجنون الاستيطان الذي يلتهم الارض ويدمر كل مقومات الحياة للناس، فالمنتصر هو الاحتلال ونحن نراكم فشل خلف فشل، فتعالوا نضع فشل فتح على فشل حماس وفشل جميع الفلسطينيين للعودة الى طريق السواء بالوحدة وإعادة ما تبقى من كرامة الوطن والناس.
من دون اتخاذ قرارات مصيرية لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، سنظل مهزومين ولن يستطع الفلسطينيين مواجهة الاحتلال و من دون إحياء المشروع الوطني على اسس الشراكة الوطنية وبطريقة لا غالب ولا مغلوب، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على اسس حقيقية و ليس من خلال المحاصصة والاستئثار والاستفراد والإقصاء، بل لتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واستنهاض جميع الفلسطينيين المشتتين في انحاء الدنيا.



جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت