ما أشبه اليوم بالبارحة، فبالأمس كان الخفيف حسني اللامبارك قد اضطهد الفلسطينيين عموما وأبناء غزة خاصة بشكل وصفت حينها بمقالة لي (1) تضييقه الخناق والحصار على أبناء غزة وكأنهم قوم يأجوج ومأجوج الذي بنى الاسكندر سداً لمنع شرهم واذاهم، واليوم ... جاء الانقلابيون في مصر وذلك من خلال إلصاق تهمة الإرهاب بحق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بذريعة التقارب الذي تم بين قيادتها العربية المسلمة وبين رئيس مصر الشرعي المنتخب العربي المسلم محمد مرسي، إستكمالا لتلك المهمة القذرة التي بدأها الخفيف حسني اللامبارك بحصاره ذاك ومحاولة بنائه سدا فولاذيا بمعونة ومشاورة أمريكية!!.
عصفوران كانا قد أقضا مضجع الكيان الصهيوني ومن ارتبط بأجندته طالهما حجر خسيس واحد، أما العصفور الأول فكان الانقضاض على مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة من خلال قيام العسكر بعزل أول رئيس مصري مدني منتخب، ومن ثم تجديد حبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة "التخابر!!!" مع حركة المقاومة الاسلامية حماس و"الهجوم على المنشآت الشرطية" مطلع عام 2011 نسبت جميعها الى حركة حماس، جرى ذلك تمهيدا لإعادة إحياء النظام السياسي المصري لما قبل ثورة 25 يناير بوجوه جديدة تحمل ذات الأفكار والأجندات والارتباطات المشبوهة، أما العصفور الثاني فهو حلم محاولة كسر شوكة المقاومة الفلسطينية ممثلة بحركة حماس وشيطنتها وتشويه صورتها أمام المجتمع المصري لاسيما البسطاء منهم تحديداً من خلال عزف المعزوفه التقليدية التي برع بترديدها وزير خارجية مبارك - أبو الغيط – والمتمثلة بتهديدها الأمن القومي المصري ومحاولة زعزعة استقرار مصر وأمن مواطنيها إرضاءً للكيان الصهيوني!!.
هكذا الأمر إذن، حيث دبر الأمر بليل وتم كتابة سيناريو مسرحية الانقلاب الكوميدية على نار هادئة فصار الاتصال بحركة حماس تهمة عظمى تمس الأمن القومي المصري، في وقت كان القضاء المصري وطيلة عقود مضت قد غض الطرف عن العلاقات الدبلوماسية التي اقامها السادات بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد سيئة الصيت وحافظ على ديمومتها وتعافيها بكل أمانة المخلوع اللامبارك طيلة فترة حكمه الفاسد!!.
وهكذا الأمر إذن، حين كشف اليوم الاعلام المصري الرسمي وغير الرسمي عن حقيقة تماشيه مع منطق الانقلابيين على الشرعية حين ردد ذات التهم التي ساقها الانقلابيون بحق حماس في وقت كان قد غض الطرف وتجاهل ما كانت قد نشرته وأكدته وكالة الانباء اسوشيتدبرس نقلا عن مصادر أمنية مصرية تأكيدها أن طائرة "إسرائيلية" بدون طيار قد اخترقت الأجواء الجوية المصرية بمحافظة شمال سيناء، و قد قصفت عدة مناطق، مما أسفر عن مقتل خمسة عناصر يعتقد أنهم من الإسلاميين، وأنها تمت بالتعاون مع السلطات المصرية، في وقت أكد التلفزيون الإسرائيلي نبأ قيام الطائرة الصهيونية تلك بضرب من وصفتهم "بالمخربين" في الجزء المصري لمدينة رفح وأنها استهدفت منصة لإطلاق الصواريخ كانت قد نصبتها عناصر من الجهاد العالمي – على حد وصف التلفزيون العبري - موجهة نحو أهداف داخل الكيان الصهيوني، كما وجاء بتقريره بأنها المرة الأولى التي يقوم فيها جيش الاحتلال الصهيوني بتنفيذ مثل هذه العملية على الأراضي المصرية منذ اتفاقية كامب ديفيد، مما يعطينا الدليل الدامغ على عمق التنسيق الأمني بين الانقلابيين وقوات الاحتلال، في وقت نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مسؤول أمني مصري نفيه قيام طائرة إسرائيلية بدون طيار بالهجوم على مسلحين في سيناء مؤكدا أن من نفذ ذاك الهجوم مروحية مصرية نافيا في الوقت ذاته أي تنسيق مع الكيان الصهيوني في هذا الشأن، ولقد تناسى إعلام الانقلاب إن سيناء ومنذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد سيئة الصيت مع الكيان الصهيوني - والتي حجمت دور مصر وقزمت دورها العربي- هي منطقة مصرية منزوعة السلاح ولا توجد سِيادة مصرية عليها بالمعنى المُتعارف عليه، حيث قسمت إلى 3 مناطق (أ) و(ب) و(ج)، وهذا يعني بعبارة أكثر دقة ووضوحا عدم السماح بوجود قوات عسكرية ومُعدّات ثقيلة ومدفعية ميدان أو طيران حربي ومطاراته فيما تقوم قوات أمريكية بمراقبة التحرّكات العسكرية المصرية تحت غطاء الأمم المتحدة، وظلت سيناء مسلوبة السيادة هكذا طيلة فترة حكمي السادات والمخلوع اللامبارك، ومن أجل ذلك فرض الحصار الجائر على أبناء غزة ومنع عنهم الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة الإنسانية البسيطة!!.
تساؤل ملح يطرح نفسه ... ما الذى يجرى فى مصر هذه الأيام!؟، ولحساب من يشن الإعلام والقضاء المصرى هذه الحملة المسعورة على حماس بحجة تهديدها للأمن القومي المصري، في وقت تناسى كل هؤلاء أن من هدد الأمن القومي المصري طيلة عقود خلت إنما هو الكيان الصهيوني الذي نهب نفط سيناء وسرق "أم الرشراش" المصرية والتي غدت اليوم ما يعرف بميناء إيلات الصهيوني؟!، ثم أين كان القضاء المصري من اتهامات الرئيس الشرعي مرسي بالهروب من سجنه أثناء حملته الانتخابية وطيلة فترة رئاسته التي امتدت قرابة العام الكامل من تسنمه منصبه الرئاسي!؟.
لقد غدا واضحا جليا أن هناك علاقة قوية بين ما يجري في سيناء هذه الأيام والصاق التهمة بأبناء حماس وبين ما يحدُث في المشهد السياسي الداخلي بمصر، حيث يسعى قادة الانقلاب إلى خلط الأوراق وتعتيم المشهد المصري من خلال صنع عدُو وهمي من صنيعتهم يتمثل بحركة حماس، تساعدهم في ذلك ماكنة إعلامية رسمية ومستقلة ممنهجة ومنظمة ممولة من قبل رجال مال فاسدين اعتادوا أن يرتعوا في أجواء الفساد السياسي والمالي، كانوا قد نهبوا ثروات مصر أيام اللامبارك المخلوع، بهدف تسطيح الأمور تماماً والتأثير على قناعات بسطاء شعب مصر من خلال تسويق مثل هذه الأراجيف والأقاويل وقول الإفك بحق حركة حماس بهدف التشويه والتشهير وتصفية الحساب ولإرضاء الكيان الصهيوني!!.
وأتساءل ... أي مهزلة تلك وأي تخبط وإسفاف بعقولنا حين تنتقص السيادة المصرية في سيناء جراء بنود اتفاقية كامب ديفيد فلا يعد ذاك الأمر تهديداً بأمن مصر القومي!؟، وأي امتهان لكرامة مصر وشعبها العربي المسلم الأبي حين يسمح بإقامة سفارة على أرض الكنانة مصر لكيان صهيوني اغتصب أرضها وسفك دماء أبنائها في أكثر من حرب ومواجهة عسكرية وطيلة سنوات!!، وأي عهر وإسفاف وضحك على الذقون حين يغدو الاتصال بأشقاء الدين والقومية في غزة جريمة كبرى وتهمة شنيعة، أبناء غزة الصمود والشمم الذين كانوا قد كابدوا الأمرين جراء الاحتلال الصهيوني عقودا ومازالوا يئنون من ظلم الحصار الظالم والجائر وإلقاء التهم عليهم جزافا!!
هناك من وصف قرار القضاء المصري بأنه تخبط وعشوائية وارتجال وعدم القدرة على صياغة وحبك مبرراته من قبل من قاموا به، في وقت فات على هؤلاء حقيقة الهدف من وراء ذلك كله والمتمثل بإعادة بعث نظام اللامبارك بحلة جديدة وبأوجه جديدة تعمل على إعادة مصر لما كانت عليه يومذاك، من أجل تأمين أمن واستقرار الكيان الصهيوني، ولعل ماحدث في سيناء قبل أيام من غارة جوية استهدفت رجالا تم وصفهم بالجهاديين تارة وبالإرهابيين تارة أخرى، فيما تناقضت الروايات التي تناولت الحدث بين هوية منفذ تلك الغارة، فمن وصفها بالصهيونية وهناك من وصفها بأنها عملية عسكرية مصرية تماماً جاءت لحماية الأمن القومي المصري، فيما محصلة تلك الغارة وحقيقتها أنها كانت لدعم أمن الكيان الصهيوني وعدم الإخلال به وإزعاج حرس حدود مستوطناته المحاذية للأرض المصرية!!.
حمى الله مصر ... أرضا وشعبا، وجنبها الفتن والدسائس والمؤامرات التي تريد النيل من ثورتها المباركة في 25 يناير.
سماك العبوشي
13/8/2013
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقالة بعنوان "مسامير وأزاهير 124 ...ليس أبناء غزة بقوم يأجوج ومأجوج!!!."
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت