لما جلس الأب بين أفراد عائلته ،لمتابعة أخبار رابعة العدوية الساخنة، وميدان النهضة عبر شاشات الفضائيات ،كانت الأحداث بما تحتويها صعبة ومريرة ففض الاعتصام لم يكن أمر سهل أوعابر لأن المشكلة أن كلا الطرفين يتصور باعتقاده أنه على حق وغيره على باطل ولكل طرف مشجعيه بغض النظر عمن يمتلك الأغلبية أو الأقلية .. سواء أكانوا من أبناء الشعب المصري ،وعلى أرض مصر أو من بلاد العُرب أوطاني ..السيناريو الكئيب ، تجسد بكل بشاعة للأسف كمباراة لكرة القدم لكنها مباراة تقرير مصير ..مباراة حياة أو موت ..مباراة اكتست أرضها بسيل عارم من الدماء ..مباراة يشهدها الجميع، بدون حكم عدل ،وكم تحيرت الجماهير الساذجة فقط من تشجع بالضبط..!! ، وفجأة رن جرس الهاتف ليبلغهم أحد المتصلين باستشهاد أحد أبناء تلك العائلة ،والذي استشهد بميدان رابعة العدوية عند فض الاعتصام ،أجهشت العائلة بالبكاء ، وعلا العويل ، والصراخ كدوي قنبلة قد انفجرت ،وبدت على وجوههم علامات الحزن ، والألم لتغتال هدوء المكان ،وسكينته ،ولترتسم لوحة سوداء موحشة في لمح البصر ..وعلى عجالة الجميع رددوا بصوت عال ٍ وفي لحظة واحدة متوافقة ،وبعفوية مفرطة قائلين :حسبنا الله ونعم الوكيل ،إنا لله وإنا إليه راجعون،وما هي لحظات أخرى سريعة وإلا سُمعت دقات الباب ،وعلى الفور توجه الابن الأكبر صوب الباب وهو يجرجر قدميه غير قادر على تحريكها ، ليعود بسرعة وقد فقد توازنه وكأنه مغشي عليه حزنا وقهرا ..جرى الأب وامسك به قبل أن يسقط على الأرض قائلا :ماذا حدث يابني ،فرد على أبيه والدموع تنساب بغزارة من مقلتيه كشلال النهر الجارف حيث قال ياأبت ِ لقد استشهد عمي ،ضابط الشرطة ..لم يتمالك الأب نفسه فسقط صريعا.. من هول الصدمة المفجعة ،وكيف لا وهو قد فقد الابن والشقيق في لحظة كارثية واحدة ، ولم يعد لسانه يردد ،وهو مسجى على الأرض سوى عبارة واحدة حسبنا الله ونعم الوكيل يارب صبرنا على أمرك وبلواك ..حينها تطلع أبناءه الصغار إلى بعضهم البعض وقد داهمتهم الريبة والحيرة ،وكان السؤال الذي قد داهم عقولهم الصغيرة ،وقلوبهم الطاهرة البريئة هو ..طالما انه حسبنا الله ونعم على الوكيل على من تسبب في اقتراف جرائم القتل برابعة العدوية ،وحسبنا الله ونعم الوكيل على من تجرأ بكل جبروت وتطاول لقتل رجال الشرطة ..إذا من هم الخاسرون ،ومن هم المجرمون حقا ..مساكين أولئك الأولاد لأنهم لا يدركون أن الخاسر الوحيد في كل الصراعات إن لم يتم تغليب المصلحة العليا ،هي مصر ،وأبناء مصر ..!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت