أكلها القرد

بقلم: تميم البرغوثي

هل تذكر قصة الثعلبين اللذين اختلفا في بيضة فحكما بينهما القرد، ففتحها وأكل ما فيها ثم أعطاهما القشرة الفارغة المقسومة نصفين فتقاتلا أي نصف أكبر؟ فهذه حال سياسيي العرب مع الأمريكيين أو الإسرائيليين أو العسكر حسب البلد المعني.

هل تذكر الملك لير الذي وزع ملكه علي ابنتيه الكبريين المنافقتين المتنافستين لأنهما خدعتاه بمعسول الكلام، وطرد ابنته الصغرى الصادقة، فانتهي به الأمر مطرودا من ابنتيه الكبريين، تتفقان علي طرده وتختلفان علي كل شيء آخر حتي تقتل إحداهما الآخرى؟ هل تذكر المشهد الأخير في المسرحية حين ينحني الملك باكيا علي جثة ابنته الصغرى التي هرعت لإنقاذه ويصب اللعنات علي ابنتيه وعلي حمقه في إئتمانه إياهما؟ فهذه حال شعوبنا مع سياسييها ثم مع شبابها وشهدائها.

هل تذكر ذلك الفتي الذي يذكره الطبري في وقعة الجمل، الذي سار بين الجيشين معلقا مصحفا في عنقه يناشد الناس في دمائهم أن يكفوا عن القتال فأتته السهام من الحزبين. هل تعلم أننا لا نعرف له اسما ولم تجعله طائفة إماما، علي أن خلاص الأمة كان علي الأرجح في اتباع رأيه ووقف القتال؟ فهذه حالك أنت.

لمن تذهب؟ كلهم يريدونك، وكلهم لا يريدونك. إحدى قيادتَي الشعب الفلسطيني مستعدة أن تعطيك ما تريد علي أن تقبل بعملية السلام وتقرهم علي اعترافهم أن عكا مدينة إسرائيلية ليس لك ولا لأهلك فيها حق البتة، اللهم إلا إذا تفاوضوا لك علي حق زيارتها سائحا في يوم من الأيام. القيادة الأخرى أيضا مستعدة أن تمنحك ما تريد، علي أن تقرها علي حقها في ملاحقة الفتيان في الشوارع بتهمة أن ملابسهم غير مناسبة، وأن تقرها علي خروجها من حلف إيراني يمنحها السلاح، إلي حلف، كان قائما وانهار، مصري قطري يمنحها وعودا بالمال دونه.

●●●
في لبنان فريق ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان يريد أن يجرد البلد من سلاح المقاومة الذي يحميه، ويبيع البلد عمليا لأمريكا وإسرائيل. في الجهة الأخرى هناك مقاومة نبيلة لكن كثيرا من حلفائها غير نبلاء البتة، هي مضطرة إلي حلفها معهم بحكم الجغرافيا، وهم يضطرونها إلي ما لا تحب. قد قلتَ عدو المقاومة عدوي وليس كل حلفائها حلفائي. ربما ترضي منك المقاومة بهذا، ولكن حلفاءها لا يرضون. بعض الجرائد اللبنانية تترك غمرا من الأغمار يشوه موقفك ويزعم أن رفضك للحل الأمني واقتراحك لتعاون إقليمي يوقف النار ويجري انتخابات رئاسية مبكرة ويضمن بقاء سوريا في حلفها الإقليمي بل ويضم مصر إليه هو خيانة للمقاومة وتخل عنها، ويقترح عوضا عنه «سحق» خصومه في سوريا. الغمر «الساحق» هذا ومن كان مثله، ومثله في لبنان كثير، يعلم أن ذلك الحل الأمني، بالإضافة إلي كونه حلا هتلريا لا يليق بالبشر، فاشل، ثم هو أكبر عبء علي المقاومة وأنه ألحق بها من الضرر ما لم يتمكن أن يلحقه بها ألد أعدائها. إذا أحببت المقاومة، بصفتها الطرف الوحيد الذي يري مجابهة إسرائيل أولوية، والضوء الوحيد في هذه العتمة العربية، أتي حلفاؤها هؤلاء بالدم علي السكاكين والطائرات تقصف حلب وحمص، يطالبونك أن تحبهم غصبا وقهرا كأنهم ضريبة أو مكوس مفروض علي موقفك.

هذا في فلسطين ولبنان والشام عامة، أما في مصر، فها أنت تري أن العدوي انتقلت. يريد منك الإخوان المسلمون أن ترضي عما فعلوه العام الماضي من كوارث: تحالفوا مع جنرالات عينهم مبارك ضد رفاقهم في ميدان التحرير، واصطلحوا مع رجال أعمال مبارك وجمال ابنه، وأعلنوا الجهاد علي حزب الله وإيران والشيعة بينما هم يؤكدون علي تمسكهم بالسلام مع إسرائيل والصداقة مع واشنطن، بل ما كان موقفهم من سوريا إلا قربان تحالفهم مع الولايات المتحدة ضد إيران، وكانت حليفتهم من قبل. باعوا حلفاءهم القدامى فباعهم حلفاؤهم الجدد.

أما القوي المدنية فتريد منك أن تتغاضي عن أنها اليوم تفعل ما فعله الإخوان أمس بحذافيره، يحالفون العسكر، وينافسون الإخوان علي محبة واشنطن، ويسكتون عن تعاون العسكر مع إسرائيل في حصار غزة وقتل أهل سيناء فيما يسمونه حربا علي الإرهاب. تريد القوي المدنية منك أن تتغاضي عن أنها سمت ثورة مضادة يخاف المرء أن يرفع فيها العلم الفلسطيني ثورة. نعم إن ثورة عربية يخاف فيها الناس أن يرفعوا العلم الفلسطيني هي ثورة مضادة، في مصر أو في سوريا أو حتي في جزر القمر، فالثورة المضادة للاستقلال هي ثورة مضادة فحسب.

تذكر المدنيين والإسلاميين الممسك كل منهم بخناق أخيه بينما هو يتودد للعسكر وللأمريكيين، حين يتاح له التودد، بما يريدون أن ينسوه: لا ثورة في مصر ما لم تخرج مصر من عباءة السلاح الأمريكي، ولا ثورة ما لم تُلغ كامب ديفيد. العسكر يستهلك ثلث دخل البلاد إلي نصفه مقابل الحفاظ علي كامب ديفد، فيقع الفقر، فيحتاجون لقمع الداخلية حتي يحافظوا علي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يسمح لهم باستهلاك مثل هذا الدخل. فمن أراد عدالة اجتماعية فليلغ كامب ديفد، ومن أراد أن لا يهان في أقسام الشرطة فليلغ كامب ديفيد، ولنجد طريقا نعيد بها بناء المؤسسة فتصبح أقدر علي حماية البلاد بتكلفة أقل من ثلث قوت عيالها، ولنا في المقاومات التي هزمت إسرائيل بدون سلاح أمريكي ولم تضطر لعقد اتفاقيات سلام معها أمثلة تحتذي.

●●●
أذكركم، بأن كل من يرفض الحل الوسط مع خصمه المحلي، يرضي بالحل الوسط مع خصمه الخارجي. العجز في الحالة الفلسطينية واضح. وأنصار الحل الأمني السوري عجزوا عن الرد علي غارات إسرائيل علي دمشق واللاذقية. وأبطال التفويض في مصر الذين يريدون تصفية الإخوان لم ينطقوا حين اخترقت إسرائيل الحدود المصرية وقتلت خمسة من مواطنيهم علي أعينهم، بل انشغلوا، بنذالة مطلقة، ينفون أن تكون إسرائيل فعلت، وإسرائيل نفسها يؤكد إعلامها ولا تنفي قيادتها العسكرية فعلتها. والإخوان المسلمون والسلفيون الذين كانوا يريدون استئصال النظام السوري والمقاومة اللبنانية وإيران والشيعة والصوفية والأقباط والعلمانيين وغراب البين ووعل الجبل، كانوا يؤجلون النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل، ويسكتون عن قصفها للسودان، وحربها في غزة، ويعتقلون نشطاء لا حول لهم ولا قوة، بينما هم يعينون المطيحين بهم وزراء ويقسمون أن الداخلية كانت في القلب من ثورة 25 يناير ويشترون لها غازا ضربتهم به...كلهم شديد علي أهله ضعيف علي عدوه. ما إن لاح شبح السلطة حتي تكالب عليها الكل، فعادت من حيث أتت، أكلها القرد، وأعطي كلا منهم جزءا من القشرة.



أيها الناس أراني وحدي، فهل من رفاق؟
بقلم / تميم البرغوثي
الأحد, 18 أغسطس, 2013, 11:10

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت