وقف مشدوهاً...هاله ما لم تره العَين ورأته...صُعق من تِقية مَن يَدعون للمعروف ويَنهون عن العدالة، سمع تَعدد القصص والروايات منذ فجرِ الدعوة وما بعدها، فهذا يقول قولاً يُصبح حكاية، وذاك يروي قُصيصِصه تُحاكي رغباته ورؤياه فتُصبح جزءا من التاريخ المروي، يُصدّقه البعض ويأتي الآخر الرافض برواية أخرى، الإنسان في منطقتنا ضائع، هواه وِحده، وأمله عداله، وتطلعه حُرية...لكن ماذا بعد؟ أيأتي بالعدالة والحرية من هواه أُموي في السياسه، من يطمح لعملِ توحيد جُغرافي على طريقة ألأسلمة السياسية لبني أمية الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أكملت بنو أميّة ثلاثون رجلا إتخذوا بلاد الله دُولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دغلاَ" (رواه ابو ذر الغفاري)، أم أسلمة وتوحيد وحكم بني العباس الذي تم بمجازر بلا رحمة أو شفقه، قَتلوا خلالها عشرات الآلاف إن لم يكن المئات، في حين عصر "غرناطه" و"قُرطبه" حيث العلم من طب وفلك وفيزياء ورياضيات وترجمه...الخ غائب عن أذهان الدّاعون للتكفير والتوحيد بإسم مباديْ أحزابهم وفرقهم.
صرخَ بأعلى صوته، ما أُرسلَ مُحمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلم إلا رحمة بالبشر، وما كان التوحيد العربي إلا جزءا من تلك الرحمه، وما خاطب أحداً إلا وفق فهمه للآخر وليس وفق حرفية ما أُنزلَ عليه من السماء فقط، كان لا يتنازل عن مباديْ أساسية في الدين كالصلاة مثلاً، لكنه كان يُعامل الناس وفق ما يصدر عنهم وليس وفق نيّاتهم وما في قلوبهم التي لا يعلمها إلا الله رغم أنه عَرِفَ المنافقين منهم، أساؤوا له فغفر لهم وجعلهم طُلقاء.
نظرَ لجدولِ الماء وسمع خريره فمالت دواخله نحو عظمة الحياة، أغمض عينيه وترحم على كل القتلى في بقاع البلاد العربيه ولَعنَ القادمون من عمق تاريخ المجازر، لَعنَ القبلية بشقيها الإجتماعي والسياسي، وعاتب في سره دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام، فالأمان والرزق والطمأنينه لهذا البلد حَوّله سلاطينه وعُلمائهم لنقمةٍ على بقية شعوب المنطقه، جادلَ سطحية تفكيره وناقشَ جدوى البقاء لمن لا يُعيرَ البقاءَ حياةً، قال: هو يريد جنّته وحورياته، وتساءلَ: وهل لا يَتَأتى ذلك إلا بتكفير الآخر وقتله كائناً من كان؟ ألا يستطيع الحصولَ على رغباته بدون دم، رفعَ عينيه ويديه لسماءِ الله تعالى وقال: أأنتَ من إشترط دخول الجنة والحوريات بسكب الدماء؟ ثمّ إستغفرَ ربّه وأجاب: أنتَ جعلت الإنسان خلائف الأرض، وأنت واسع الرحمة الغفور على عبادك وشديد العقاب على من يكفر بكَ لا على من يُوحد بك، فاللهم مَكّن العاقلين منّا، وخذ بيدٍ من حديد على أؤلئك القتلة بإسمك، اللهم هؤلاء خلقكَ وعبيدك، فإرحمهم من غُلاة التكفيريين ومن مذاهب الوهابيين ومن تِقية الإخونجيين ومن كُلّ الإسلاميين السياسيين فاقدي البوصلة في الدين والسياسه، اللهم آمين.
أيها الناس: أرى بعيْنَيّ أهل الهلكات تتهافت علينا تهافتِ التهافت، فهل عدْلُ الله من مشيئته أم من مشيئة هؤلاء؟ فالله خَلقَ الإستطاعه في عبده عند قيامه بالفعل، وما يقوم به العَبد تعبيراً عن ذلك وليسَ من مشيئته، فالله لم يأمر بذبح الناس كالخراف، ولم يُعطي فِرق القتل السياسي الديني التكفيري في منطقتنا أمراً إلهياً بذلك، وما يسمى الفاسق من أهل القِبلة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وهو إلى الله، إن شاء عَذّبه وإن شاءَ غفرَ له، ولا حقّ لِمدعي الإيمان تكفيره وقتله، بل من حقِّ الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر مجادلته ودعوته بالتي هي أحسن، والعقاب وفق الحدود المعروفه المنصوص عليها في كتاب الله عزّ وجَل، ووفق القانون لا وفق الأفكار والأيديولوجيا التي يتبناها هذا الحزب أو ذاك الفريق.
نظرَ حوله، وجدها صحراء جرداء رغمَ خُضرتها وحَيَويتها، الإنسانية فُقدت في معمعان الصراع على السلطة بإسم الدين، والحرية أصبحت سببا لقتلِ الناس ورميهم للتهلكة، والعدالة لا معنى لها فهي ليست سببا للثورة عند تلك الأسلمة السياسيه، والوِحده العربية ليست شعاراً لهم، فاندونيسيا وتركيا وأفغانستان وباكستان أهم بكثير من القاهرة ودمشق وبغداد، والدولة الوطنية لا تعنيهم فتكفيهم إمارة في سيناء أو في جزءٍ من حَلب الشهباء كما غَزة، ويعتقدون أنهم "يثرب" وغيرهم "مكه" في زمن الدعوة، يُشبهون أنفسهم بالسلف الصالح والصحابه وهم ليسوا سوى مجموعة من القتله الماجنين المريضون جنسيا، اللهم هؤلاء بغووا وجاسوا البلاد قتلاً، فأنصر عبادك المظلومين على من بغى، اللهم هؤلاء فقدوا إنسانيتهم وسببها، فإغلظ عليهم وإتيهم من حيث لا يشعرون، اللهم آمين.
أيها الناس: هؤلاء نعيمهم لا يطاق، فكيف بجحيمهم؟!!! هؤلاء يحوّلون الشياطين ملائكة ويُلبسونها ملابس بيضاء، هؤلاء يحملون الحق والضغينه حتى على أنفسهم، فكيف نبني ديمقراطية لا يؤمنون بها؟!!! هؤلاء هم "الأخسرين أعمالا" وفق ما ذكره كتاب الله تعالى، فإحذروهم، ولا تَسمعوا لهم بإسم المظلمة، فهم من ظَلموا وهم الظالمين، هؤلاء حمقى الدين والسياسه والإنسان لديهم نكره، فهم لا يرون إلا ذاتهم ورجولتهم وفكرهم المُطلق، هؤلاء "مسكونون بالموت والخرائب" فكيف يتولوا أمور ورعاية الناس؟!!!
أيها الناس: ليست سوى فكرة إنسان وصرخةً في قلب طِفلٍ قادم!!! فأقيموا حدود الإنسانية لا حدود القتل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت