تأصيل الكراهية في فلسطين

بقلم: مصطفى إبراهيم


الحال الذي نعيشه هذه الايام هو تأصيل لخطاب الكراهية والحقد والخوف والعنف في نفوس البشر، وما وصلنا اليه من سقوط في مستنقع الشماتة والفرح في الموت ودم الاخرين، يطرح علينا قضية أخلاقية جدية حول الخصومة السياسية بين الفلسطينيين والفرح في دماء الاخرين، و هم من ابناء جلدتنا، عرب نعيش معهم نفس الهم والمصير.
هذا في ما يجري في الحالة المصرية والاستقطاب الحاد بين المختلفين فلسطينينا، هي محاولة لإكراه الناس على ان تكون مع فتح ضد حماس والعكس صحيح، وخطاب التكفير و التخوين مستمر، وتتعزز الخشية ان يصبح ذلك مرضا مزمنا لدى كثر، اصبحوا لا يقيموا وزنا لحياة الابرياء و لنزيف الدم الذي ربما يستمر في النزف، ومن جميع الاطراف كما جرى في جريمة مقتل الاربعة وعشرين جنديا مصريا والنزف اليومي لسقوط الضحايا في سيناء، كذلك مقتل عدد كبير من المدنيين من الاخوان المسلمين في فض اعتصام رابعة و الاشتباكات التي وقعت بين الشرطة والجيش خلال المظاهرات.
لسنا في موقف ذكر اسباب سقوط الضحايا، وان نحمل طرفا المسؤولية على حساب طرف اخر، إنما في الاتهامات المتبادلة فلسطينينا، و الشامتين طربا على مشهد دماء تسيل، وأبرياء جدد قد يسقطوا وتزهق ارواحهم، قد يتمادوا في شماتتهم، وهم قد لا يدرون أنهم قد يذوقوا يوما ذات الوجع، فالمشهد في حالتنا يزداد وقاحة، ولا يوجد من بيننا من الاطراف المنقسمة والمختلفة للتصدي لهذا السقوط ومواجهة التحريض على خطاب الكراهية والشماتة.
ويزداد القلق حين يعبر البعض منا عن الفرح بالدم بالاحتفال علنا كما رأينا في دول عربية، مواطنون يوزعون الحلوى فرحا بموت ابناء وطنهم في جريمة بشعة، ويدلل على مدى الحقد والكراهية واعتمال الصدور بالضغينة، ويكون من الصعب الوقوف في وجه تلك الضغائن المخبئة وتصبح اسيرة لغرائز تتحول الى فعل حقيقي، وتكون اشد فتكا وتتحول الى جرائم خطيرة.
أصبح الموت يفتح الشهية للشماتة والفرح، و صرنا غير قادرين على اقناع اطراف النزاع ان الانسان بفطرته ضد الدم والموت وارتكاب الجرائم، وكثر يقولون لك انت شامت لأنك ضد الاخوان المسلمين وتؤيد السيسي والجيش، عدا الشتائم والاتهامات بالعداء للإسلام، و الطرف الاخر يتهمك مباشرة انك حماس فأنت غير متحمس للثورة وتكره الجيش، و انك لست سعيدا بالتحول الديمقراطي في مصر.
والرسول الكريم لم يكن يوما سبابا ولا لعانا، ولن تجد له في كل الاحاديث النبوية حديثا في هذا التأصيل، و ما نعيشه اليوم من فقه وخطاب الكراهية، حين نسمع مئات الخطباء في المساجد ووسائل الاعلام المختلفة، هذا في فلسطين وهي من دون طوائف، وبعض الناس صاروا يخافوا التحدث عن هوياتهم السياسية تحت ضغط خطاب الكراهية.
وهذا الصمت المستغرب من قبل الفصائل الفلسطينية مجتمعة في مقدمتها فتح و حماس، وعدم اتخاذ خطوات سريعة وعاجلة و موقف واضح وعلني للخروج من المأزق الاخلاقي الذي سقطنا فيه.
ودورها ليس التأكيد على القيم وبثها بين الناس كشعارات مرفوعة، انما العمل بشكل حقيقي على التربية و القيم القائمة على حقوق الإنسان و كرامته والديمقراطية والحرية والمساواة، والتسامح، والمساواة وعدم التمييز، وقبول الاخر، والشراكة والتسامي في العلاقات الوطنية وتقبل النقد ونبذ التربية الحزبية المقيتة و الكراهية والعنف والتعصب.
نحن احوج الناس للوقوف في وجه الظلم والطغيان والاستبداد، وتفرد مجموعة على حساب مجموعة أخرى، فمن يسفك دمنا يوميا ويرتكب الجرائم بحقنا هو الاحتلال ومؤسساته القائمة على تأصيل الكراهية والشماتة فينا. فالشماتة والفرح بالدم والموت تؤججان خطاب الكراهية والعنف والجرائم و الحزن والغضب والمرارة، ولا يخرج أحد منها منتصرا، انما يخرج مجللا بالحسرة والندم.

19/8/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت