مليارات من الاموال العمالية التي استقطعت لصالح التأمينات الاجتماعية من رواتب العمال الذين عملوا داخل الاراضي المحتلة ، ولم تصرف منها شيئاً عليهم وفق القانون ، فإسرائيل تجبي هذه الاستقطاعات منذ عام 1970 و حتى الان ، وما زالت تحتجز تلك الأموال ، والتي كان من المفترض الاستفادة منها أثناء التقاعد والبطالة والإغلاق وأي ضرر يواجهه العمال ، وفق القانون الاسرائيلي المعمول به أسوة بالعامل الاسرائيلي ؛ خاصة أنه يستقطع منهم نفس الخصومات ويخضعون لنفس الاجراءات وفق قانون واتفاقيات عمل موحده ، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ، وتوقيع بروتوكول باريس الاقتصادي الذي تضمن حقوق العمال الذين عملوا منذ عشرات السنوات داخل الخط الاخضر والتي لنا مأخذ عليها ...... ، إلا ان من أهم انجازاتها هو اعتراف إسرائيل بأن الأيدي العاملة الفلسطينية هي أيدي عاملة مهاجرة ، وتستحق كامل التعويضات والحقوق التي يضمنها قانون العمل الإسرائيلي واتفاقيات العمل الدولية بهذا الخصوص ، كما تم الاتفاق على أن يتم تأمين العمال الذين يعملون داخل الخط الاخضر في نظام التأمين الاجتماعي الإسرائيلي وفقاً لقانون التأمين الوطني ، على أن يتم تحويل هذه الاموال لمؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطينية ، والذي كان من المفترض ان تنشئها السلطة الفلسطينية عام 1994م ، حيث حاول المجلس التشريعي الفلسطيني تقديم مسودة قانون الضمان الاجتماعي إلا انها قوبلت بالتأجيل بقرار سياسي ، بسبب دراسة البنك الدولي والملاحظات الذي اعتبر من خلالها ان اقرار مشروع القانون سيؤدي لإفلاس السلطة في غضون سنوات قليلة ، وهذا ما دفع للتأخير ؛ برغم أن الحقيقة تفيد بأن تجربة الاردن في إنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي والتي تعتبر اليوم صرح اقتصادي بالأردن بدأت برصيد 45 الف دينار أردني ، في حين أن مستحقات العمال الفلسطينيين لدي الجانب الاسرائيلي تزيد عن 3 مليارات دولار على أقل تقدير، وهذا مبلغ لا يستهان به للبدء فعليا ، إذا ما توافرت النية الحقيقة والصادقة لأهمية ايجاد مؤسسة للضمان الاجتماعي تقدم خدمات وحماية اجتماعية للعمال ، ولكن التباطؤ بهذه الاجراءات وغياب المتابعة ساهم في تجميد هذه الاموال في البنوك الاسرائيلية ، وأوجد حالة من الفراغ مما أدى إلى ظهور شركات ومستثمرين يحاولوا الحصول على هذه الاموال ، واستدراج العمال لتفويضهم عبر محامين للمطالبة بشكل فردي بهذه الاموال ، والغريب أن الامر أصبح شبه ظاهرة حيث بدأ يتناقل بين العمال الذين يعيشون ظروف اقتصادية صعبة وهم بحاجة لأي دخل مادي ، واعتبروا هذه الحقوق فرصة للمطالبة بها ، برغم عدم وضوحها أمامهم فهم " كالغريق الذي يتعلق بقشة " فهذه الحقوق تحتاج لبعض التوضيحات من قبل وزارة العمل كجهة اختصاص ومن قبل الجهات المعنية ، فالكثير من حالات التحايل التي يتعرض لها العمال في ظل غياب الرقابة والمرجعيات ، فمثل هذه القضايا تحتاج لعمل دءوب وفعال ، فهذه الاموال العمالية هي حق للمجتمع الفلسطيني وللعمال وأسرهم ، وهم بأمس الحاجة للاستفادة منها ضمن برامج الرعاية والحماية الاجتماعية ، وهذا يحتاج الي خطة تدخل للشركاء الاجتماعيين ممثلة بالحكومة والعمال وأصحاب العمل ، تبدأ بضرورة حصر هذه الاموال ، والعمل على تحصيلها لصالح مؤسسة ضمان اجتماعي يتم إنشائها بقانون يحدد التأمينات وسبل الرعاية الاجتماعية للعمال الذين عملوا في الاراضي المحتلة واستقطعت منهم هذه الاموال ، ويكفل تقديمها لهم بما يضمن كرامتهم ويوفر لهم حماية اجتماعية ، وإن لم نستطيع انشاء مؤسسة ضمان اجتماعي ؛ يجب العمل لتحصيل هذه الحقوق لصالح العمال مباشرة من خلال مؤسساتهم النقابية مجانا وبدون أي تكاليف مادية على العمال ، فهذه القضية هي محط اهتمام كثير من العمال الذين يتساءلون حولها ، ويوجد تخوفات أن يتعرض العمال للتحايل من قبل محامين أو شركات قد تفقدهم هذه الحقوق أو يتم المتاجرة بها ، فكثير من القضايا العمالية التي حاول المحامين سابقا العمل عليها وجمعوا آلاف الملفات من العمال ورسوم مالية ، انتهت هذه الملفات في مكب النفايات ، والأموال في جيوب جابيها بدون أي متابعة ، في ظل غياب رقابة حقيقة أو جهات تتحمل مسئولية ما يحدث من تعدي صارخ على العمال ، وفي نهاية الامر العامل ضعيف تضيع حقوقه أو يتم التراضي معه على أي مبلغ لضمان سكوته .
انني في محاولتي هذه التي أثير بها هذه القضية أود أن أسلط الضوء عليها ، وأحمل أصحاب العلاقة المسئولية وأذكرهم بواجباتهم اتجاهها ، وبهدف أن نفكر بشكل جماعي لتحصيل أموال العمال من الجانب الاسرائيلي ، للاستفادة منها ورعاية مصالح العمال وتقديم خدمات لهم ، فتلك الاموال التي استقطعت من العمال على مدار عشرات السنين لخدمتهم في الظروف الصعبة ، كالبطالة والفقر وتقديم الرعاية الاجتماعية لهم لا تكديسها بالبنوك ليستفيد منها النظم الرأسمالية ، فهذا ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية ، فيكفي تجاهل لقضايا العمال وخاصة الذين عملوا في داخل الخط الاخضر او ما زالوا يعملون ، فحكومة الاحتلال الاسرائيلي تتحايل على كثير من الحقوق العمالية وتساعد في إهدارها تحت مسمياتها الامنية التي من خلالها تنهب حقوقهم العمالية ، كما فعلت مع العمال من قطاع غزة حيث أعلنته كيان معادي مما ترتب عليه فقدان كثير من العمال لحقوقهم وعدم البت فيها امام المحاكم الاسرائيلية ، وعدم المقدرة على الحصول علي الاموال والمتأخرات ، والسؤال ما ذنب العمال في ذلك ؟! وقد ساهموا في تلك الاستقطاعات على مدار عملهم من أجورهم ، وهي حقوق أصيلة واجبة لا يمكن تجاهلها او القفز عنها ، وهذا يدعو للعمل الجدي من قبل كل جهات الاختصاص الفلسطينية والتعاون لصالح هذه الفئة المغلوب على أمرها ، ومحاولة لتحصيل حقوقها وحمايتها من الذين يحاولون استغلال ظروفهم والمتاجرة بهم .
• عضو الامانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت