الحصول على المعلومات القضائية حق أصيل

بقلم: يوسف صافي


يعتبر الحق في المعرفة والحصول على المعلومات حقا أساسيا من حقوق الإنسان، فهو حق للباحث، والأكاديمي، والتربوي، والطالب، والإعلامي، والمفكر، والمؤرخ، والسياسي، ورجل الأعمال والمستثمر، والمهتم بحقوق الإنسان، والمهتم بحماية البيئة، والمهتم بحقوق المرأة والطفل وذوى الاحتياجات الخاصة، والمهتم بتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة ومكافحة الفساد ... الخ، وعليه لم يكن مستغربا أن يخصص الثامن والعشرون من سبتمبر من كل عام يوما عالميا للحق في المعرفة والحصول على المعلومات، كمناسبة سنوية لزيادة وعي الأفراد بحقهم في الحصول على المعلومات التي تسيطر عليها المؤسسات العامة، ولتشجيع الحكومات على ممارسة الشفافية من حيث نشر المعلومات بغض النظر عن طبيعتها حول أداء المؤسسات العامة بشكل استباقي بما يمكن الجمهور من معرفة ما تقوم به هذه المؤسسات دونما حاجة لتقديم طلبات للحصول على تلك المعلومات.
إن ضمان حق الناس في المعرفة والحصول على المعلومات هي سمة رئيسة من سمات الحكومات الديمقراطية، وهو يشكل شرطا مسبقا لممارسة الناس لحقوق أخرى مثل حرية الرأي والتعبير وحرية النشر، وهو مؤشر على تمتع الحكومات بالنزاهة والشفافية والمساءلة، وما يعنيه هذا من زيادة ثقة المواطنين في هذه الحكومات.
في ضوء ما تقدم، وفى السياق نفسه، فإن حق الناس في الحصول على المعلومات القضائية يعتبر حقا أصيلا من حقوق الإنسان، فهو حق ليس فقط للمتقاضين أو من يمثلهم، بل هو حق أيضا لكل الجهات ذات العلاقة بالشأن القضائي من مراكز حقوقية، وخبراء في مجال القضاء، ومؤسسات مجتمع مدني، ووسائل إعلام وإعلاميين، وأكاديميين، ومراكز أبحاث وباحثين، ومجموعات مصالح، ومواطنين ... الخ. فمن حق الناس الحصول على معلومات قضائية وظيفية مهنية تتعلق بالأداء القضائي للمحاكم ناهيك عن معلومات ذات علاقة بالجوانب المالية والإدارية التي تقوم بها أثناء تأديتها لمهامها، وهذا بالمناسبة يعزز شفافية ونزاهة ومساءلة وحيادية وكفاءة وفعالية القضاء، ويزيد من ثقة الناس فيه، والعكس بطبيعة الحال صحيح.
صحيح أن القانون الأساسي الفلسطيني باعتباره دستور لدولة فلسطين لم يشر في نص صريح ومباشر إلى حق الجمهور في الحصول على المعلومات بشكل عام والمعلومات القضائية بشكل خاص، ولكنه بالمقابل تحدث في المادة 19 منه على "حرية الرأي والتعبير وحرية وسائل الإعلام والعاملين فيها"، كما تحدث في المادة 105 منه بشأن القضاء على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة أن تكون سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب وفى جميع الأحوال يتم النطق بالحكم في جلسات علنية". من جانب آخر، فقد جاء في المادة 15 من قانون السلطة القضائية: "تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم جعلها سرية مراعاة للآداب أو للمحافظة على النظام العام، ويكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية".
من المهم التأكيد هنا أن حق الجمهور في الحصول على معلومات قضائية لا يتناقض مطلقا مع مبدأ استقلال القضاء كمؤسسة، ولا مع مبدأ استقلال القضاة كأفراد وخصوصياتهم، ولا مع مسألة حفاظ القضاة على أسرار مهنتهم والمعلومات التي يحصلون عليها أثناء تأديتهم لمهامهم، طالما أن هذا الحق يخضع لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنصوص قانونية لضمان احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام ، أو الآداب العامة كما ورد تماما في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إجمالا، ومن أجل تعزيز حقوق الجمهور في الحصول على معلومات قضائية، من الأهمية بمكان أن نأخذ بالاعتبار المعايير التالية:
1. معيار المكاشفة لأقصى حد: فالأصل في كل المعلومات القضائية هو الكشف عنها وأن تكون متاحة للجمهور،
2. واجب النشر: إن حق الجمهور في الحصول على معلومات قضائية يتجاوز مسالة قيام المؤسسة القضائية بتوفير وتزويد المعلومات الجمهور عند الطلب، بل أنه يتعداها لجهة إلزام المؤسسة القضائية بجمع المعلومات ذات العلاقة بأدائها، وحفظ هذه المعلومات ونشرها للجمهور، بل وبتوعية الجمهور بهذه المعلومات وكيفية الحصول عليها، الأمر الذي يعزز شفافية المؤسسة القضائية وعدالتها، ويزيد بالتالي من ثقة الجمهور بها،
3. استثناءات محددة وواضحة: لا يجوز وضع استثناءات كثيرة تجيز منع تقديم المعلومات تحت حجج عامة ومطاطه وفضفاضة وواسعة وقابلة للتأويل، بل يجب أن تكون هذه الاستثناءات في أضيق نطاق شريطة أن تكون واضحة، ومحددة وقاطعة الدلالة وخاضعة لشرطى احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام ، أو الآداب العامة،
4. فرض مواعيد للإفصاح: يتوجب فرض مواعيد قانونية قاطعة ومناسبة لتقديم المعلومات القضائية لمن يطلبها، إذ لا يجوز أن تترك أوقات تقديم المعلومات لتقدير الجهة القضائية الأمر الذي قد يعرقل ممارسة الحق في الحصول على المعلومات،
5. تكاليف ورسوم بسيطة ومعقولة: صحيح أن جمع المعلومات القضائية وتصنيفها لتقديمها لمن يطلبها يتطلب تكاليف معينة، ولكن هذا لا يعنى بالمطلق المبالغة في تحديد قيمة هذه التكاليف الأمر الذي قد يجبر من يطلب المعلومات على العزوف عن طلب هذه المعلومات،
6. جهة متخصصة لتقديم المعلومات: إن وجود هذه الجهة يسهل على من يطلب المعلومات القضائية الوصول إليها بسهولة، ويوفر له إمكانية الاستئناف لهم ضد الرفض،
7. جزاءات: فهناك ضرورة لوضع جزاءات رادعة على كل من يتعمد أو يرفض بشكل غير مبرر لطلبات تقديم المعلومات القضائية، ناهيك عن جزاءات رادعة بحق من يتأخر عن تقديم المعلومات في مواعيدها المحددة،
8. الطعن: لابد من وجود إجراءات واضحة ومحددة تكفل لمن يتقدم بطلب الحصول على معلومات قضائية ولم يحصل عليها للتظلم الإداري أمام جهة إدارية مستقلة.

بقلم د. يوسف صافي
مدير مركز هــــــــدف لحقوق الإنسان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت