المبادرة الشعبية

بقلم: عمر شحادة


تجددت المفاوضات الثنائية المباشرة في واشنطن وسط موجة كبرى من الاوهام تذكرنا بالمناخات التي اشاعتها وسائل الاعلام الامريكية عن "قيام الدولة الفلسطينية بجانب دولة اسرائيل" عشية توقيع اتفاق اوسلو في الثالث عشر من سبتمبر لعام 1993 ، والذي انتهى بعد عشرين عاماً بالتمام والكمال لما نحن عليه الآن من ضعف وانقسام سياسي وجغرافي وتهالك لمؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بشقيها .

يعود المفاوض الفلسطيني للانخراط بشكل اعمى في مفاوضات وحلول ثنائية عارياخالي الوفاض سوى من نوايا ووعود امريكية مزدوجة تضمنت هذه المرة الاعتراف "بالدولة اليهودية " ، ما يدخلنا في نفس الخطأ التاريخي الاستراتيجي المستمر منذ عشرين عاماً بالقفز عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما فيهالا شرعية وتجريم الاستيطان، وهو ما حصل في مفاوضات اوسلو السرية وذات الشرك الذي مكن المحتل من المضي الآمن في الاستيطان، حجر الزاوية في تجسيد وترسيخ المشروع الصهيوني المستدام وبناء الدولة اليهودية على كامل ارض فلسطين.

واذا اضفنا للتنازل عن موقف الاجماع الوطني وقرارالمجلس المركزي،ما سمي " بتبادل الاراضي " المهمور بموقف وفد لجنة الجامعة العربية في واشنطن ، فإن هذه اللعبة الجديدة ستعني اوسلو جديد يقود الى أمرين على الاقل يجري توظيفهما للاجهاز على مكونات البرنامج الوطني ومنظمة التحرير، الاول : هو تشريع الاستيطان عبر قبول ما يسمى بالكتل الاستيطانية الكبرى بموافقة الطرف الفلسطيني والعربي اما الثاني: فهو التمهيد للتبادل السكاني من بقايا المستوطنين خارج الجدار والكتل الاستيطانية الكبرى مع ابناء شعبنا في المحتل عام 1948 لإدماج ابناء الجليل والمثلث والنقب في "دولة" الحكم الذاتي السكاني الفلسطيني في اطار الدولة اليهودية بين البحر والنهر .

ونحن اليوم على شفا حفرة من الانفجار الداخليأوالانتحار الذاتي، فإن لم تبادرالآن قوى شعبنا السياسية والاجتماعية الحية لوقف هذه المفاوضات المدمرة، وتلج نهجاً بديلاً لها قوامه الشرعية الدولية ومؤسساتها وبعث مقاومة شعبنا والشراكة الوطنية الحقيقية في السراء والضراء، فستغدو النتائج المترتبة على هذه المفاوضات الثنائية الجارية بدون شروط من وراء ظهر الشعب وقواه ورموزه السياسية والاجتماعية والاكاديمية والثقافية والاعلامية، بمفاعيلها على غير صعيد وتأثيراتها الاستراتيجية أخطر بما لا يقاس من مفاوضات اوسلو السرية !

ولعل تسعة شهور على الاقل من "التفاوض المثابر والمستدام والسري" ستكون كافية لقادة واشنطن وتل ابيب للمضي في استبدال القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية بما يسمى الخطر النووي الايراني والصراع السني الشيعي، واعداد مسرح العمليات لحربهم القادمة على شعوب المنطقة وحقوقها واهدافها ومقاومتها، لرسم خطوط ما يسمونه الشرق الاوسط الجديد الذي يصون هيمنتهم و نفوذهم التقليدي الذي تتربع على عرشه "الدولة اليهودية" المتفوقة نوعياً،وتعبيد الطريق عبر "اوسلو جديد" للانتقال من تقسيم فلسطين وشعبهاالى تصفية قضيتها.

اليوم، حيث لن يجدي الصمت على المنطق التبريري والذرائعي الذي لايقود سوى للمزيد من التنازل والانحراف عن موقف ودرب الاجماع الوطني الذي يصونحقوق ونضال شعبنا ووحدته ودعم حلفائه ، مطلوب اكثر من اي وقت مضى من كل وطني فلسطيني... منا جميعاً، ان ننتفض لحماية شعبناوحقوقه وإنقاذه من دوامة المفاوضات وهذه التسوية التصفوية، بأن نعود للامساك بزمام المبادرة الشعبية والتحرك الجماهيري المنظم الضاغط لوقف هذه المفاوضات، وبعث إرادة المقاومة والوحدة، سبيلنا الاكيد الذي لاسبيل سواه للحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، فإسقاط "اوسلو" هو بوابة الحرية والدولة العتيدة ومفتاح استعادة الوحدة ومكانة منظمة التحرير.


بقلم عمر شحادة*

· عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رئيس تحرير مجلة الهدف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت