يحلو للبعض أن يتحدث عن تمرد في غزة، ظناً منهم أن تجربة مصر يمكن استنساخها في غزة، متناسين أن لكل جزء من الأمة العربية خصوصيته، ومتناسين أن قضية سكان غزة ليست حياتيه، ولا هي اقتصادية فقط، وإنما هي قضية وطنية مرتبطة بالمستقبل السياسي للشعب الفلسطيني؛ الذي يرفض أن يعترف بإسرائيل، ويرفض التخلي عن أرضه.
البعد السياسي هو جوهر الخلاف بين التنظيمات على الساحة الفلسطينية، وهو لب الانقسام الذي يحرض على التمرد؛ والذي يفرض على الفلسطيني أن يجيب على السؤال التالي:
هل الذين يدعون للتمرد على غزة يسعون إلى رفض الاعتراف بإسرائيل، ويهدفون إلى التحريض على حمل البنادق للمقاومة، ويحضون على فض التفاوض مع الإسرائيليين تحت راية الاستيطان، وتهويد المسجد الأقصى؟
إن كان جوابك أجل، من أجل هذا نتمرد، فالواقع يقول لك: لقد أخطأت العنوان، ونسيت أن الذي يفاوض ويقايض موجود هنالك في رام الله.
وإن كان جوابك كلا، إن الهدف من التمرد هو تحسين الظروف المعيشية للناس، وعودة السيد محمود عباس إلى غزة منتصراً مكللاً بالغار، ليحل كل مشاكلها الحياتية والاقتصادية، ويحل مشاكل الخريجين والعاطلين عن العمل، فالواقع يقول لك: لقد أخطأت العنوان ثانية، فمن يظن أن غزة ستطفو فوق الموج مجرد إسقاط حكومتها فهو واهم، وما عليه إلا أن يسترجع الزمن الفلسطيني قبل سنة 2000، قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، حين كانت السلطة الفلسطينية قائمة بكل جبروتها في قطاع غزة، ومع ذلك، كانت حياة الناس لا تقل فاحشة مما هي عليه اليوم، ولذلك كانت انتفاضة الأقصى، انتفاضة الشعب الفلسطيني تحت راية أبي عمار؟
أما من يدعي أن الانقلاب على الشرعية في مصر قد حدث نتيجة احتشاد الناس في 30 يونيه في ميدان التحرير، استجابة لدعوة تمرد، فهو واهم، لأن حركة تمرد المصرية كانت من صناعة الأجهزة الأمنية، ولم تكن إلا الواجهة التي تخفي من خلفها العسكر، للقيام بانقلابهم على الديمقراطية، وما كان بمقدور حركة تمرد بذاتها، ولو حشدت كل من يحتشد، ما كان بمقدورها أن تهز شعرة واحدة في جسد الديمقراطية دون القوة العسكرية.
فمن يمتلك القوة العسكرية في غزة؟ من هي الجهة التي تمتلك عشرات ألاف الرجال الجاهزين للشهادة، والمعبئين حباً وحقداً؟ ومن هي الجهة التي واجهت أعتى جيوش الأرض مدعومة من القوى العظمى الأمريكية، وصمدت، وتحدت، وانتصرت حتى قصفت تل أبيب؟
اطمئنكم: إن ما عجز عنه جيش الصهاينة لتعجز عنه كل جيوش الأرض، وإذا كانت تمرد مصر قد قوضت الديمقراطية، فإن تمرد غزة لن تجرؤ على كسر عنق البندقية، لذلك نناشد حركة حماس أن تسعى لتحقيق المصالحة الوطنية، ولتعط محمود عباس كل شيء، شرط وقف التفاوض العبثي، والتوافق على المقاومة المسلحة سنداً للقضية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت