بالكيماوي يا بشار

بقلم: رشيد شاهين






ما يجري في سوريا هذه الأيام، يعيدنا إلى ما جرى قبل ما يزيد على عقدين من الزمن في القطر العراقي العزيز، حيث تكالبت عليه أمم وجيوش العالم بالإضافة إلى جيوش أنظمة العربان، بما في ذلك الجيش العربي السوري.

وما يجري الآن، يذكرنا أيضا بما جرى قبل عقد من الزمن عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية مستندة إلى منطق القوة ومعها لفيف من دول الاستعمار والاستكبار العالمي، بغزو العراق واحتلاله في نيسان من العام 2003، إنه نفس السيناريو ونفس الطريقة في التمهيد التي تم إتباعها قبل الغزو فالاحتلال.

فعندما هاجمت قوى العالم مجتمعة القطر العراقي بعد دخوله إلى الكويت، خرج الفلسطينيون في شوارع المدن والبلدات يصيحون "بالكيماوي يا صدام" متمنين أن يقوم الرئيس الراحل صدام حسين بضرب تل أبيب بالأسلحة الكيماوية، ذلك بعد أن أصبح هؤلاء "الفلسطينيون" يشعرون ان لا ظهر ولا ظهير لهم، خاصة في ظل تخلي أمة العربان وبخاصة الأنظمة التي كانت سببا في ما آلت إليه أوضاعهم، وكذلك بعد سنوات من الانتفاضة الأولى التي لم يتم استثمارها بشكل حقيقي من قياداتهم من اجل ان تحقق المآرب التي انطلقت من اجلها.

اليوم، وبعد ما يزيد على العامين من شلال الدم السوري الطاهر، نجد دول الاستكبار العالمي ذاتها تتكالب على سوريا، بحجة استخدام نظامها "الدموي" للأسلحة الكيماوية، ضد أبناء الشعب السوري. فهاهي ماكينة الإعلام العالمي تشتغل بدون ما توقف، وتطحن ليل نهار، وتقوم بالتحريض العلني، وتحاول بكل السبل ان تضع اللوم على النظام الذي لم يترك لنا ولا لغيرنا فرصة للدفاع عنه، لشدة ما مارس من فاشية وظلم وديكتاتورية ضد شعب سوريا العظيم.

ما ان تسربت أخبار استعمال " الكيماوي" حتى بدأت أصابع الاتهام تتجه إلى النظام، وانه من قام بذلك، لم ينتظر أي ممن يتهمون النظام ولا حتى ساعات من اجل استكشاف الحقيقة، وصار الكل يطحن على هواه، برغم ان استعمال الكيماوي قد يكون من فعل أي من أطراف النزاع الموجودة على الأرض السورية، أو أي من الأدوات الموجودة هناك، والتي تطبق أجندات دول وأجهزة مخابرات مختلفة.

وحتى لا نتهم بالدفاع عن نظام الأسد، فإننا نطرح الحقائق التالية والتي لا بد من إجابات محددة بشأنها، وأولى هذه الحقائق، ان النظام اعترف منذ البداية وعلى لسان جهاد مقدسي انه يمتلك الأسلحة الكيماوية، وانه يتعهد بالحفاظ عليها حتى لا تتسرب إلى أيد عابثة أو متطرفة.

وثانيا، لا بد من معرفة من هو الطرف المستفيد من مثل هذا الاستخدام، ومن هو الطرف المتضرر، بعيدا عن الضحايا الذين سقطوا، ترى هل يمكن لنظام يعلم انه تحت المجهر على مدار الساعة، ومعلوم انه يمتلك مثل هذه الأسلحة، هل يمكن ان يستخدمها، ألا يكون ذلك بمثابة الانتحار، وتقديم المبررات التي تلزم للغرب للتدخل القوي "المسلح" بغض النظر عن الكيفية التي سيتدخل بها.

وأما ثالثا، فانه لا بد من أسباب ومبررات تدعوا إلى مثل هذا الاستخدام، فهي تستخدم عند الفشل في استعادة أو السيطرة أو مقاومة هجوم لا يمكن رده إلا بمثل هذا الاستخدام، فهل توفرت مثل هذه الظروف، بمعنى، هل كان الجيش السوري يتعرض لهجوم ساحق ماحق بحيث لا يمكن رد مثل هذا الهجوم إلا باستخدام الكيماوي؟، وهل كان من غير الممكن مقاومة مثل هذا الهجوم، خاصة وان التجربة أثبتت انه استطاع التعامل مع الكثير من المعارك القوية بقوة وحقق هزائم في الطرف الآخر نعلمها جميعا؟.

ورابعا، هل كانت المواقع المستهدفة بالكيماوي من الأهمية الإستراتيجية بحيث إذا ما سقطت، سوف تؤدي مثلا إلى انهيار كبير في القدرات والمعنويات وستصبح الطريق إلى العاصمة ممهدة؟.

في مقابل ذلك وباختصار شديد، فان طرفا آخر "المعارضة" أو أي طرف ثالث، هو المستفيد من مثل هذا الاستخدام، حيث يعلم حجم الغضب الدولي الذي سيخلفه ذلك الاستخدام ضد النظام في سوريا،فلم لا يكون طرف ثالث معاد لسوريا أرسل مجموعة من العملاء الذين أقدموا على مثل هذا الاستخدام، خاصة في ظل تردد اوباما الواضح.

ان عملية استخدام الكيماوي لم تعد عملية صعبة ولا معقدة، كما ان التجارب أثبتت ان بإمكان عصابة أو مجموعة صغيرة يمكنها ان تستعمل مثل هذه الأسلحة، وقد كان في تجربة الأنفاق في طوكيو الدليل الأكبر على مثل هذا الاستخدام.

هنالك العديد من الحقائق التي لا بد من الشارة إليها، حيث ان المؤشرات تقول ان الكميات المستخدمة كانت صغيرة، مما يشير إلى انه تم استخدام العديد من القذائف التي تحمل كميات صغيرة أطلقت على دفعات وعلى مواقع متقاربة.

نشر على نطاق واسع "فيديو" يصور مجموعة من المسلحين الذين يقومون بإطلاق قذائف "كيماوية" معبئة في اسطوانات غاز بيتية.

تشير بعض الصور والفيديوهات، إلى ان المخابرات الروسية استطاعت الحصول على صور دقيقة لبعض رؤوس الصواريخ التي استخدمت في عملية القصف الكيماوي، ويؤكد الخبراء "غير الروس" ان هذه الرؤوس ليست صناعة غربية أو شرقية وإنها صناعة محلية "دقيقة" وعالية التميز، إلا انها تبقى صناعات محلية.

برغم هذه الحملة على سوريا، وبرغم اننا نعتقد بان المقصود هو المزيد من الدمار في هذا البلد، إلا اننا لا نعتقد بأن "قلوب الساسة" الغربية أصبحت رحيمة لان النظام في سوريا استخدم الكيماوي ليقتل ألف أو ألفين من الأبرياء، حيث سقط ما يزيد على المائة ألف إنسان، والموضوع لا علاقة له باستخدام الكيماوي أو سواه، بقدر ما هو إلحاق المزيد من الضرر والدمار والدم، وهذا ما لا يبدو ان أحدا في المعارضة أو النظام يدركه.

بعد ما يقارب العامين والنصف، وبعد ما يزيد على مئة ألف قتيل وما يقارب النصف مليون جريح، وملايين المهجرين في الداخل والخارج وتدمير هائل لحق بالمدن والبلدات السورية، لا زالت جميع الأطراف تتمسك بمواقفها، وهذا لن يخدم أحدا سوى دولة الكيان الصهيوني وكل الكارهين لأمة العرب.



26-8-2013


جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت