لم يكن ما قيل عن استخدام للسلاح الكيماوي، هو ما تبحث عنه إدارة العدوان الأمريكية وأدواتها العربية من اجل القيام بضربة عسكرية "قاصمة" للنظام في سوريا، ولم يكن سقوط ضحايا السلاح الكيماوي هو ما "حرق" القلوب الآثمة في الغرب والشرق الاستعماري، فلقد سقط من أبناء سوريا مئة ضعف هؤلاء خلال "الحرب" المستعرة منذ اندلعت قبل ما يزيد على العامين.
في التجربة العراقية، استغرق الأمر ما يزيد على 12 عاما من القتل البطيء والممنهج، من خلال حصار ظالم فرض عليه، حصار مارسه وتفنن في تشديده وإحكامه "الأشقاء" من عربان الأمة، بشكل أكثر قسوة مما قامت به دول الاستعمار، حيث سقط من الضحايا ما يقارب المليون حتى أقدمت الولايات المتحدة على غزو العراق فاحتلاله في العام 2003.
و الآن في سوريا وبعد كل الضحايا والمشردين، ليس الموضوع في استعمال أو عدم استعمال الكيماوي، بقدر ما هو نضوج عملية استقطاب وتجهيز وتدريب وتجسس استمرت على مدار الفترة الماضية، وحيث باتت الأوضاع النفسية واللوجسيتة وكل ما يتعلق بتوجيه ضربة لسوريا جاهزة، إذن لا بد من عمل ذلك، بغض النظر عن استخدام الكيماوي أو سواه.
الضربة التي يهلل لها البعض، وتطبل وتزمر لها بعض دول العربان التي امتهن حكامها الذل والهوان والتبعية والعمالة للغرب، لن تكون ضربة قاتلة للنظام كما يبغي الواهمون والمروجون، وهي لن تكون إلا ضربة تزيد من إضعاف سوريا، وتدمير اكبر قدر ممكن من البنى التحتية والمراكز الأساسية والاقتصادية والإستراتيجية التي هي ملك للشعب وليس لنظام أسد.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه من غير المجدي الحديث عن مناطق حظر للطيران وما إلى ذلك، فلطالما بقي النظام في العاصمة، فهو باق، إلا إذا أُريد لمن يرغب أو يُريد أن تكون سوريا مقسمة إلى دويلات ضعيفة متناحرة متناثرة كما هو حال المعارضة المنقسمة على حالها ويتوزع ولاؤها وتبعيتها بين دول متعددة.
ما يُعْتقد بأن دول الاستكبار والاستعمار من الغرب والشرق مُقْدِمَة عليه، هو توجيه ضربات موجعة، ضربات لا تهدف بالضرورة لإسقاط النظام كما يَشتهي البعض، وعلى عكس ما يتمنى البعض الآخر، فليس المقصود ولا المطلوب الآن إسقاط نظام أسد الذي كان لأربعة عقود حامٍ لدولة العدوان في فلسطين، وعليه فان بقاؤه في سدة الحكم لا زال المرام والمبتغى، خاصة وأنه سيكون أكثر ضعفا وطواعية، وبالتالي استجابة لمتطلبات الغرب والصهاينة.
علمتنا التجربة العراقية، انه من غير الممكن إسقاط أي نظام من خلال توجيه ضربات جوية مهما كانت قسوتها وقدرتها على التدمير، وان من غير الممكن تغيير أو إزالة أي نظام إلا من خلال احتلال الأرض، وما سوى ذلك يبقى مجرد "تهويش". التجربة العراقية تشير إلى أنه بينما كانت قوات الشر تقوم بالتدمير، كانت الأيدي الطاهرة تقوم بالتعمير، وظل الحال كذلك من العام 1991 حتى العام 2003، عندما صار من "الضروري بحسب الغرب" التخلص من الرئيس العراقي ونظامه، وفقط عندئذ، أقدمت قوى الطغيان على التوجه إلى العراق واحتلاله.
وهذا ما جرى في أفغانستان، حيث تم تدمير البلد من الجو وبالصواريخ بعيدة المدى، وانتهت جميع الأهداف المحددة وصار الطيار الأمريكي يدور في الجو ولا يجد شيئا يستحق القصف، وظلت طالبان، ولم ينته الوضع إلا باحتلال البلد ودخول القوات الأرضية.
ما يجري حول سوريا هو "سيناريو" مشابه إلى حد بعيد لما جرى للعراق العظيم، فليس المقصود بهذا الذي يجري الآن التخلص من نظام أسد، ولا من حزبه أو عشيرته، بقدر ما هو استغلال للظروف والأرضية التي تم إعدادها من اجل الوصول بسوريا إلى أضعف وضع ممكن، واستغلال حالة "الغضب" والاستقطاب التي تشكلت خلال الفترة الماضية، وتوجت بهذا القبول الدولي "شبه الشامل" من اجل توجيه ضربة عسكرية شديدة مدمرة للبلد وليس للنظام.
الراغبون بالتخلص من نظام أسد سوف يندمون على ما جرى للبلد، لان غريمهم سيبقى في سدة الحكم، وهو سيبقى إلى أن تقرر قوى الشر التخلص منه بشكل كامل، والمعارضة المشتتة تكون واهمة إذا اعتقدت أنها تستطيع أن تقرر مصير الرجل، فهي لم تعد كذلك بعدما ارتبطت أو ربطت نفسها بقوى شريرة لا تريد لسوريا خيرا، وهي لم تعد المقررة بعدما أصبح لديها مصالح وارتباطات غير مريحة ولا مطمئنة ولا نظيفة، وبعد أن صار لها امتيازات يصعب التخلي عنها.
سوريا في خطر، والنظام لن يُمَس، وسيبقى أسد في سدة الحكم، لأن لا أحد سواه يمكن أن يُقَدم أفضل مما قُدم من خدمات، سواء مباشرة أو غير مباشره، ولا أحد يضمن كيف سيكون عليه الحال إذا ما غادر الأسد "عرينه"، وعليه فالغرب وعملاؤهم يتعاملون معه على أساس المثل العربي القائل " وَجْهٌ تعرفه، أفضل ألف مرة من وَجْهٍ لا تعرفه"، وهذا هو حال أسد، أصبح معروفا للجميع، وأقصى ما يمكن أن يُقْدِمَ عليه أو يقوم به هو التهديد بالرد في الزمان والمكان المناسبين، إذن لِمَ العجلة، ولِمَ التخلص منه؟ على الأقل في المرحلة الحالية. كذلك لم تحقيق انتصار مظفر للمعارضة طالما ان حالة الاشتباك والحرب مستمرة في تدمير البلد وإرجاعه إلى الوراء عشرات السنين، إذن لم لا يبقى الحال على حاله "لا غالب ولا مغلوب" ولماذا يتم وضع حد لشلال الدمار والدم طالما ان الدمار يتم في بلد عربي وطالما أن الدم المراق دم عربي؟
إنها سوريا يا عرب وليس النظام، وعلى الجميع أن يتق الله في سوريا وأهلها.
28-8-2003
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت