وبعد أن عجزت الادارة الامريكية عن احتواء الثورات العربية وخصوصا ثورة 30 يونيو في مصر ،وفشلها في خلق وكيل لها في المنطقة قادر على تطويع الجماهير ،وامتصاص نقمتها ،وتعثر تحقيق أهدافها على الجبهة العربية السورية ،راحت تبحث عن الحلقة الرخوة والأضعف في المنطقة كما تصورت ذلك ،فأوعزت لوزير خارجيتها جون كيري للتوجه لمنطقة الشرق الاوسط ،وتكثيف رحلاته المكوكية من رام الله الى اسرائيل الى عمان ،وإعطاؤه اشارات ،وتصريحات فارغة من المضمون للسلطة الوطنية بهدف تشجيعها على التفاوض ،وحرف البحث بعيدا عن اسباب توقف المفاوضات منذ اكثر من ثلاث سنوات ،ولإدارة الصراع العربي – الاسرائيلي وتسكينه ،وحتى تزيل دم الابرياء والضحايا التي علقت بسياسة اوباما ،وإدارته الامريكية أمام المواطن الامريكي وحلفائه التابعين علها تسعى لتحقيق نقلة نوعية في جذب اطراف الصراع الى دائرة المفاوضات.
ونجحت الضغوط الامريكية والإسرائيلية على القيادة الفلسطينية ،وجذبت الرئيس ابو مازن وقيادة فتح للمفاوضات دون تلبية استحقاقاتها ،وفي المقدمة منها ،وقف الاستيطان ،وتحديد مرجعية للمفاوضات ،بحدود الرابع من حزيران عام 1967 ،خصوصا بعد اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية ،كعضو مراقب في الامم المتحدة وإقرار حدودها ،وسارعت للاستجابة للمفاوضات على الرغم من معارضة أغلبية ممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة ،عكس هذا التجاهل تفردا باتخاذ قرار العودة للمفاوضات ،ومتجاهلا شركائه في منظمة التحرير الفلسطينية ،ومتناقضا مع قرارات المجلس المركزي .
ويحاول البعض تبرير العودة للمفاوضات برغم غياب شروطها ،وتنكر اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية ،وإصرارها على تبادل الاراضي مع المستوطنات والكتل الاستيطانية التي حولتها كجزء من مرجعية المفاوضات ،وتجاهلها الاستحقاقات السابقة بالإفراج عن معتقلي ما قبل اتفاق اوسلو ،بان لا حول لها ولا قوة ،وفي رأيهم ان القيادة الفلسطينية ليس لها سوى الاعتماد على البعد الدولي ،خصوصا ما يجري في العالم العربي من صراعات داخلية ،وقوى متصارعة ،وتدخلات أجنبية في دول الطوق في جمهورية مصر العربية وسوريا والعراق والأردن ،وفي البلدان المجاورة لها !!!! . ويروجون ،أن الرئيس ابو مازن لا يمتلك أوراقا للضغط على الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل في ظل الانقسام على الساحة الفلسطينية ،لكنهم يؤكدون بأن المفاوضات لن تحل كافة قضايا الحل النهائي خلال المدة المحددة من 6-9 شهور ؟؟؟ .
وبغض النظر عن موقف القوى الفلسطينية الرافضة العودة للمفاوضات بشروط الاحتلال والإدارة الامريكية ،فلا يمكن أن يكون دورها مراقب لنتائجها الكارثية ،بل يتطلب تشكيل لوبي ضاغط لمنع أي تنازل عن حقوق شعبنا الوطنية ،عبر المشاركة في اللجنة السياسية التي أقرتها منظمة التحرير باعتبارها المرجعية السياسية للمفاوضات ،والدفع باتجاه تحصين الوفد المفاوض من الضغوط المتزايدة عليه ،بمجموعة من الخطوات الاجرائية ،بالاعتماد على المخزون الكفاحي للجماهير الفلسطينية ،وعدم الاستهانة بقدرتها على المواجهة ،وتفعيل دور البعد الشعبي والجماهيري ،وتصعيد خطوات الاشتباك مع الاحتلال في الضفة الغربية ضد جنود الاحتلال ،وقطعان مستوطنيه ،وتحويلها لانتفاضة شعبية ،حتى يدفع الاحتلال ضريبة احتلاله للأرض ،ويدفع المستوطنون ثمنا باهظا للاستمرار في ارهابهم وتعديهم على ممتلكات المزارعين ،وإفساح المجال لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل والأدوات التي أقرتها الشرعية الدولية ،وفي المقدمة منها المقاومة الشعبية ،والتوقف كليا عن ملاحقة الاجهزة الأمنية للمقاومين ،ولان شعبنا الفلسطيني يخوض معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال فلا بد من تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية باعتبارها الركن الاساس لتجميع كافة طاقات الشعب الفلسطيني وكافة مكوناته المجتمعية ذات المصلحة في التحرر السياسي والاقتصادي ،وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ،وبحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى اراضيهم طبقا للقرار الأممي 194، والتوجه للبحث عن منهج جديد وخطوات تدريجية لتعزيز المصالحة الوطنية على طريق انهاء الانقسام ،واستعادتها كمدخل لتغيير موازين القوى ،والتأكيد على حق القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني معرفة ما يدور من خبايا المفاوضات ،والالتزام بالشفافية عند اعطاء المعلومات ،وفضح ممارسات الاحتلال ،وتعزيز حملات التضامن الدولي مع شعبنا ،والإسراع للانتساب الى كافة منظمات الامم المتحدة ،وملاحقة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين الأموات والأحياء منهم لمحكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب لا تسقط جرائمهم بالتقادم ،ومن حق الشعب أن يعبر عن رأيه وموقفه في استفتاء شامل في الوطن والشتات على أي اتفاق يتم ،فللشعب كلمة الفصل النهائية.
وفي المقابل على الحكومة المقالة ،وحركة حماس أن تعيد تقييم تجربة الحكم والسلطة في غزة خلال الستة سنوات الماضية ،ومدى مساهمتها في انجاز وحدة المشروع الوطني الفلسطيني ،وفداحة خسارة الدخول في تكتلات عربية وإقليمية التي كشفتها التطورات الأخيرة في المنطقة . ان قضيتنا الوطنية الفلسطينية بحاجة الى كل دعم وإسناد من البلدان العربية والإسلامية والدولية ،ولتضامن كل شعوب العالم ،واستخلاص العبر والدروس لنا جميعا من تجربة المفاوضات والمقاومة . ان العودة الى حضن الوطن الأم فلسطين ،ووضع استراتيجيته سياسية وكفاحية على قاعدة وحدة الارض والشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والحصار ،وإنهاء حالة التشرذم ووقف مظاهر الانزلاق نحو فصل قطاع غزة عن الأرض الأم ،والاحتقان الداخلي ،وحل مشاكل الجماهير ووضع مصلحة الوطن والشعب في مقدمة سلم الاولويات كضرورة وطنية وموضوعية ،مما يتطلب البحث بجدية عن وسائل وأساليب تحويل قطاع غزة الى عملية اسنادية للمقاومة في الضفة الغربية ،حتى يتم التكامل بين جناحي الوطن ومواقع الشتات الفلسطيني بعيدا عن الذاتية والمصالح الأنانية .
طلعت الصفدي غزة فلسطين
الجمعة 30/8/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت